للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاتِّصَالُ هَذِهِ الْآيَةِ بِالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي التِّلَاوَةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ مَعَ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُقَالُ فِي الْآخِرَةِ. فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَوْمَ الْجَزَاءِ فَهُوَ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ هُوَ جَوَابُ (إِذَا) إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ [الْفجْر: ٢١] الْآيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا مُسْتَطْرَدٌ وَاعْتِرَاضٌ.

فَهَذَا قَوْلٌ يَصْدُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ جَانِبِ الْقُدُسِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ قَوْلُهُ: إِلى رَبِّكِ إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِقَرِينَةِ تَفْرِيعِ فَادْخُلِي فِي عِبادِي عَلَيْهِ. وَنُكْتَةُ هَذَا الْإِظْهَارِ مَا فِي وَصْفِ (رَبِّ) مِنَ الْوَلَاءِ وَالِاخْتِصَاصِ. وَمَا فِي إِضَافَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ النَّفْسِ الْمُخَاطَبَةِ مِنَ التَّشْرِيفِ لَهَا.

وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ فَلَفْظُ رَبِّكِ جَرَى عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَعَطْفُ فَادْخُلِي فِي عِبادِي عَطْفُ تَلْقِينٍ يَصْدُرُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى تَحْقِيقًا لِقَوْلِ الْمَلَائِكَةِ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ مُسْتَعَارٌ لِلْكَوْنِ فِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ دَارِ الْمُضِيفِ قَالَ تَعَالَى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [الْقَمَر: ٥٥] بِحَيْثُ شُبِّهَتِ الْجَنَّةُ بِمَنْزِلٍ لِلنَّفْسِ الْمُخَاطَبَةِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْهُ بِوَعْدِ اللَّهِ عَلَى أَعْمَالِهَا الصَّالِحَةِ فَكَأَنَّهَا كَانَتْ مُغْتَرِبَةً عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهَا: ارْجِعِي إِلَيْهِ، وَهَذَا الرُّجُوعُ خَاصٌّ غَيْرُ مُطْلَقِ الْحُلُولِ فِي الْآخِرَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا جَرَى عَلَى مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ عَذَابِ الْإِنْسَانِ الْمُشْرِكِ فَتَكُونُ خِطَابًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطْمَئِنَّةِ.

وَالْأَمْرُ فِي ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ مُرَادٌ مِنْهُ تَقْيِيدُهُ بِالْحَالَيْنِ بَعْدَهُ وَهُمَا راضِيَةً مَرْضِيَّةً وَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْأَمْرِ فِي الْوَعْدِ وَالرُّجُوعُ مَجَازٌ أَيْضًا، وَالْإِضْمَارُ فِي قَوْلِهِ: فِي عِبادِي وَقَوْلُهُ: جَنَّتِي الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: نَزَلَتْ فِي مُعَيَّنٍ. فَعَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَمَّا تَصَدَّقَ بِبِئْرِ رُومَةَ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ حِينَ قُتِلَ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ لَمَّا صَلَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ