للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَدَنِيَّةٌ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا مَا رَوَاهُ الدَّانِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَهِيَ عَلَى هَذَا مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا قَبِلَهَا كُتِبَتْ هُنَا بِتَوْقِيفٍ خَاصٍّ أَوْ نَزَلَتْ عَقِبَ مَا قَبْلَهَا لِلْمُنَاسَبَةِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ هَذَا يُقَالُ عِنْدَ الْبَعْثِ لِتَرْجِعَ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَجْسَادِ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ [الْفجْر: ٢١] إِلَخْ كَالْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَالرُّجُوعُ عَلَى هَذَا حَقِيقَةٌ وَالرَّبُّ مُرَادٌ بِهِ صَاحِبُ النَّفْسِ وَهُوَ الْجَسَدُ.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأَبِي صَالِحٍ: يُقَالُ هَذَا لِلنَّفْسِ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَدْ

رَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَحْسَنَ هَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّ الْمَلَكَ سَيَقُولُهَا لَكَ عِنْدَ الْمَوْتِ»

. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّ هَذَا يُقَالُ لِنَفْسِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمَوْتِ تُبَشَّرُ بِالْجَنَّةِ.

وَالنَّفْسُ: تُطْلَقُ عَلَى الذَّاتِ كُلِّهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر: ٥٦] وَقَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الْأَنْعَام: ١٥١] وَتُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ الَّتِي بِهَا حَيَاةُ الْجَسَدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يُوسُف: ٥٣] .

وَعَلَى الْإِطْلَاقَيْنِ تُوَزَّعُ الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةُ كَمَا لَا يَخْفَى.

والْمُطْمَئِنَّةُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنِ اطْمَأَنَّ إِذَا كَانَ هَادِئًا غَيْرَ مُضْطَرِبٍ وَلَا مُنْزَعِجٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ سُكُونِ النَّفْسِ بِالتَّصْدِيقِ لِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ دُونَ تَرَدُّدٍ وَلَا اضْطِرَابِ بَالٍ فَيَكُونُ

ثَنَاءً عَلَى هَذِهِ النَّفْسِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هُدُوءِ النَّفْسِ بِدُونِ خَوْفٍ وَلَا فِتْنَةٍ فِي الْآخِرَةِ.

وَفِعْلُهُ مِنَ الرُّبَاعِيِّ الْمَزِيدِ وَهُوَ بِوَزْنِ افْعَلَّلَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَهْمُوزُ اللَّامِ الْأُولَى وَأَنَّ الْمِيمَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ كَمَا يُنْطَقُ بِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَمْرٍو. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: أَصْلُ الْفِعْلِ: طَأْمَنَ فَوَقَعَ فِيهِ قَلْبٌ مَكَانِيٌّ فَقُدِّمَتِ الْمِيمُ عَلَى الْهَمْزَةِ فَيَكُونُ أَصْلُ مُطَمْئِنَّةٍ عِنْدَهُ مطأمنّة ومصدره اطمئنان وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٠] وَقَوْلِهِ:

فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ