للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْفَقْرِ وَوُصِفَ بِكَوْنِهِ ذَا مَقْرَبَةٍ أَيْ مَقْرَبَةٍ مِنَ الْمُطْعِمِ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يُؤَكِّدُ إِطْعَامَهُ لِأَنَّ فِي كَوْنِهِ يَتِيمًا إِغَاثَةً لَهُ بِالْإِطْعَامِ، وَفِي كَوْنِهِ ذَا مَقْرَبَةٍ صِلَةً لِلرَّحِمِ.

وَالْمَقْرَبَةُ: قَرَابَةُ النَّسَبِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ مَفْعَلَةٍ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْغَبَةٍ وَالْمِسْكِينُ: الْفَقِيرُ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٨٤] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ وَذَا مَتْرَبَةٍ صِفَةٌ لِمِسْكِينٍ جُعِلَتِ الْمَتْرَبَةُ عَلَامَةً عَلَى الِاحْتِيَاجِ بِحَسْبِ الْعُرْفِ.

وَالْمَتْرَبَةُ مَصْدَرٌ بِوَزْنِ مَفْعَلَةٍ أَيْضًا وَفِعْلُهُ تَرِبَ يُقَالُ: تَرِبَ، إِذَا نَامَ عَلَى التُّرَابِ أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَفْتَرِشُهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كِنَايَةٌ عَنِ الْعُرُوِّ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ الْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ: تَرِبَتْ يَمِينُكُ:

وَتَرِبَتْ يَدَاكَ.

وأَوْ لِلتَّقْسِيمِ وَهُوَ مَعْنَى مِنْ مَعَانِي (أَوْ) جَاءَ مِنْ إِفَادَةِ التَّخْيِيرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْجِنْسُ الْمَخْصُوصُ، أَيِ الْمُشْرِكِينَ كَانَ نَفْيُ فَكِّ الرِّقَابِ وَالْإِطْعَامِ كِنَايَةً عَنِ انْتِفَاءِ تَحَلِّيهِمْ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ فَكَّ الرِّقَابِ وَإِطْعَامَ الْجِيَاعِ مِنَ الْقُرُبَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْإِسْلَامُ مِنْ إِطْعَامِ الْجِيَاعِ وَالْمَحَاوِيجِ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِتَعْيِيرِ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحِبُّونَ التَّفَاخُرَ وَالسُّمْعَةَ وَإِرْضَاءَ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ، أَوْ لِمُؤَانَسَةِ الْأَخِلَّاءِ وَذَلِكَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمْ، أَيْ لَمْ يُطْعِمُوا يَتِيمًا وَلَا مِسْكِينًا فِي يَوْمِ مَسْغَبَةٍ، أَيْ هُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَرْضَاهُ اللَّهُ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعَ الْمُحْتَاجِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَلَيْسَ مِثْلَ إِطْعَامِكُمْ فِي الْمَآدِبِ وَالْوَلَائِمِ وَالْمُنَادَمَةِ الَّتِي لَا تَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى الْمُطْعَمَيْنِ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَطَاعِمَ كَانُوا يَدْعُونَ لَهَا أَمْثَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجِدَّةِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى الطَّعَامِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْمُؤَانَسَةَ أَوِ الْمُفَاخَرَةَ.

وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا»

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الشَّبْعَانُ وَيُحْبَسُ عَنْهُ الْجَائِعُ» .

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِنْسَانِ وَاحِدًا مُعَيَّنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَمًّا لَهُ بِاللُّؤْمِ وَالتَّفَاخُرِ الْكَاذِبِ، وَفَضْحًا لَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ