للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأُتْبِعَ ذَلِكَ بِوَعْدِهِ بِأَنَّهُ كُلَّمَا عَرَضَ لَهُ عُسْرٌ فَسَيَجِدُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا كَدَأْبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي

مُعَامَلَتِهِ فَلْيَتَحَمَّلْ مَتَاعِبَ الرِّسَالَةِ وَيَرْغَبْ إِلَى اللَّهِ عَوْنِهِ.

[١- ٤]

[سُورَة الشَّرْح (٩٤) : الْآيَات ١ إِلَى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)

. اسْتِفْهَامٌ تَقْرِيرِيٌّ عَلَى النَّفْيِ. وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيرُ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَنْفِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.

وَهَذَا التَّقْرِيرُ مَقْصُودٌ بِهِ التَّذْكِيرُ لِأَجْلِ أَنْ يُرَاعِيَ هَذِه الْمِنَّة عِنْد مَا يُخَالِجُهُ ضِيقُ صَدْرٍ مِمَّا يَلْقَاهُ مِنْ أَذَى قَوْمٍ يُرِيدُ صَلَاحَهُمْ وَإِنْقَاذَهُمْ مِنَ النَّارِ وَرَفْعَ شَأْنِهِمْ بَيْنَ الْأُمَمِ، لِيَدُومَ عَلَى دَعْوَتِهِ الْعَظِيمَةِ نَشِيطًا غَيْرَ ذِي أَسَفٍ وَلَا كَمَدٍ.

وَالشَّرْحُ حَقِيقَتُهُ: فَصْلُ أَجْزَاءِ اللَّحْمِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْهُ الشَّرِيحَةُ لِلْقِطْعَةِ مِنَ اللَّحْمِ، وَالتَّشْرِيحُ فِي الطِّبِّ، وَيُطْلَقُ عَلَى انْفِعَالِ النَّفْسِ بِالرِّضَى بِالْحَالِ الْمُتَلَبِّسِ بِهَا.

وَظَاهِرُ كَلَامِ «الْأَسَاسِ» أَنَّ هَذَا إِطْلَاقٌ حَقِيقِيٌّ. وَلَعَلَّهُ رَاعَى كَثْرَةَ الِاسْتِعْمَالِ، أَيْ هُوَ مِنَ الْمَجَازِ الَّذِي يُسَاوِي الْحَقِيقَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرْحَ الْحَقِيقِيَّ خَاصٌّ بِشَرْحِ اللَّحْمِ، وَأَنَّ إِطْلَاقَ الشَّرْحِ عَلَى رِضَى النَّفْسِ بِالْحَالِ أَصْلُهُ اسْتِعَارَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الضِّيقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِالْحُزْنِ وَالْكَمَدِ قَالَ تَعَالَى: وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ [هود: ١٢] الْآيَةَ. فَجُعِلَ إِزَالَةُ مَا فِي النَّفْسِ مِنْ حُزْنٍ مِثْلَ شَرْحِ اللَّحْمِ وَهَذَا الْأَنْسَبُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشَّرْح: ٥] .

وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ: قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي فِي سُورَةِ طه [٢٥] .

فَالصَّدْرُ مُرَادٌ بِهِ الْإِحْسَاسُ الْبَاطِنِيُّ الْجَامِعُ لِمَعْنَى الْعَقْلِ وَالْإِدْرَاكِ. وَشَرْحُ صَدْرِهِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِ بِكُلِّ مَا تَطْمَحُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ الزَّكِيَّةُ مِنَ الْكِمَالَاتِ وَإِعْلَامِهِ بِرِضَى اللَّهِ عَنْهُ وَبِشَارَتِهِ بِمَا سَيَحْصُلُ لِلدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّصْرِ.

هَذَا تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِمَا يُفِيدُهُ نَظْمُهَا وَاسْتِقْلَالُهَا عَنِ الْمَرْوِيَّاتِ الْخَارِجِيَّةِ، فَفَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ اللَّهَ شَرَحَ قَلْبَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: شَرْحُ صَدره أَن ملىء عِلْمًا وَحُكْمًا، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ: شَرَحَ صَدْرَهُ بِنُورِ الرِّسَالَةِ،