للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقْتُ عُسْرًا وَاحِدًا وَخَلَقْتُ يُسْرَيْنِ وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ اهـ.

وَالْعُسْرُ: الْمَشَقَّةُ فِي تَحْصِيلِ الْمَرْغُوبِ وَالْعَمَلِ الْمَقْصُودِ.

وَالْيُسْرُ ضِدُّهُ وَهُوَ: سُهُولَةُ تَحْصِيلِ الْمَرْغُوبِ وَعَدَمُ التَّعَبِ فِيهِ.

وَجُمْلَةُ: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً وَفَائِدَةُ هَذَا التَّأْكِيدِ تَحْقِيقُ اطِّرَادِ هَذَا الْوَعْدِ وَتَعْمِيمُهُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَجِيبٌ.

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ الْيُسْرَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى يُسْرَ الدُّنْيَا وَفِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ يُسْرَ الْآخِرَةِ وَأُسْلُوبُ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَمَحِّضٌ لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا.

هَذَا

وَقَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ»

قَدِ ارْتَبَطَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.

وَصُرِّحَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ بِأَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَئِذٍ وَتَضَافَرَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى انْتِزَاعِ ذَلِكَ مِنْهَا فَوَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ، وَشَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْرِيفِ كَلِمَةِ الْعُسْرِ وَإِعَادَتِهَا مُعَرَّفَةً وَمن تنكير كملة «يُسْرٍ» وَإِعَادَتِهَا مُنَكَّرَةً، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّفْظَ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَ نَكِرَةً فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ وَإِذَا أُعِيدَ اللَّفْظُ مَعْرِفَةً فَالثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: ١٥، ١٦] .

وَبِنَاءُ كَلَامِهِمْ عَلَى قَاعِدَةِ إِعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً خَطَأٌ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ فِي إِعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً لَا فِي إِعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالتَّعْرِيفِ بِلَامِ الْعَهْدِ دُونَ لَامِ الْجِنْسِ، وَهِيَ أَيْضًا فِي إِعَادَةِ اللَّفْظِ فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى وَالَّذِي فِي الْآيَةِ لَيْسَ بِإِعَادَةِ لَفْظٍ فِي كَلَامٍ ثَانٍ بَلْ

هِيَ تَكْرِيرٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى، فَلَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، وَقَدْ أَبْطَلَهُ مِنْ قَبْلُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ الْجُرْجَانِيُّ (١) فِي كِتَابِ «النَّظْمِ» كَمَا فِي


(١) قَالَ حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِي الْمُتَوفَّى سنة ٤٢٧ هـ فِي «تَارِيخ عُلَمَاء جرجان» هُوَ أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن يحيى بن نصر الْجِرْجَانِيّ لَهُ تصانيف عدّة مِنْهَا «فِي نظم الْقُرْآن» مجلدتان. كَانَ من أهل السّنة روى عَن الْعَبَّاس بن يحيى (أَو ابْن عِيسَى) الْعقيلِيّ اهـ. [.....]