للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَالْخَبَرُ مُوَجَّهٌ لكل سامع، ومضمومه قَوْلُ: «كَانَ صَدْرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ وَعُرِفُوا بِهِ وَتَقَرَّرَ تَعَلُّلُ الْمُشْرِكِينَ بِهِ لأهل الْكتاب حَتَّى يَدْعُونَهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ فَيَقُولُوا: لَمْ يَأْتِنَا رَسُولٌ كَمَا أَتَاكُمْ قَالَ تَعَالَى: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ [الْأَنْعَام: ١٥٦، ١٥٧] .

وَتَقَرَّرَ تَعَلُّلُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِهِ حِينَ يَدْعُوهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِسْلَامِ، قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ [آل عمرَان: ١٨٣] الْآيَةَ.

وَشُيُوعُهُ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ سِيَاقِهِ دَمْغُهُمْ بِالْحُجَّةِ وَبِذَلِكَ كَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي قَوْلِهِ: حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ مُصَادِفًا الْمَحَزَّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَرِيب مِنْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [الْبَقَرَة: ٨٩] .

وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ لَا نَتْرُكُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ حَتَّى تَأْتِيَنَا الْبَيِّنَةُ، أَيِ الْعَلَامَةُ الَّتِي وُعِدْنَا بِهَا.

وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً إِلَخْ.

وَإِذِ اتَّضَحَ مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ وَانْقَشَعَ إِشْكَالُهَا فَلْنَنْتَقِلْ إِلَى تَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ.

فَالِانْفِكَاكُ: الْإِقْلَاعُ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَكَّهُ إِذَا فَصَلَهُ وَفَرَّقَهُ وَيُسْتَعَارُ لِمَعْنَى أَقْلَعَ عَنْهُ وَمُتَعَلِّقُ مُنْفَكِّينَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ وَصْفُ الْمُتَحَدِّثِ عَنْهُمْ بِصِلَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَالتَّقْدِيرُ: مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ وَتَارِكِينَ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ كُفْرُهُمْ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ مِثْلَ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ كَانَ كُفْرًا بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا الْقَوْلُ صَادِرٌ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَدِينَةِ وَالْقُرَى الَّتِي حَوْلَهَا وَيَتَلَقَّفُهُ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ الَّذِينَ لَمْ يَنْقَطِعُوا عَنِ الِاتِّصَالِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مُنْذُ ظَهَرَتْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ يَسْتَفْتُونَهُمْ فِي ابْتِكَارٍ مُخَلِّصٍ يَتَسَلَّلُونَ بِهِ