للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَصْدَرٍ كَالْوَسْوَاسِ وَالْقَلْقَالِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الزِّلْزَالِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ.

وَإِنَّمَا بُنِيَ فِعْلُ زُلْزِلَتِ بِصِيغَةِ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ فَاعِلُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَانْتَصَبَ زِلْزالَها عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُؤَكِّدِ لِفِعْلِهِ إِشَارَةً إِلَى هَوْلِ ذَلِكَ الزِّلْزَالِ

فَالْمَعْنَى: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالًا.

وَأُضِيفَ زِلْزالَها إِلَى ضَمِيرِ الْأَرْضِ لِإِفَادَةِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَتَكَرُّرِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهَا لِكَثْرَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

أَسَائِلَتِي سَفَاهَتَهَا وَجَهْلًا ... عَلَى الْهِجْرَانِ أُخْتُ بَنِي شِهَابِ

أَيْ سَفَاهَةً لَهَا، أَيْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَا، وَقَوْلِ أَبِي خَالِدٍ الْقَنَانِيِّ:

وَاللَّهُ أَسْمَاكَ سُمًى مُبَارَكًا ... آثَرَكَ اللَّهُ بِهِ إِيثَارَكَا

يُرِيدُ إِيثَارًا عُرِفْتَ بِهِ وَاخْتَصَصْتَ بِهِ. وَفِي كُتُبِ السِّيرَةِ أَنَّ مِنْ كَلَامِ خَطْرِ بْنِ مَالِكٍ الْكَاهِنِ يَذْكُرُ شَيْطَانَهُ حِينَ رُجِمَ «بَلْبَلَهُ بَلْبَالُهُ» أَيْ بِلْبَالٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ. وَإِعَادَةُ لَفْظِ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ التَّهْوِيلِ.

وَالْأَثْقَالُ: جَمْعُ ثِقْلٍ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ الْمَتَاعُ الثَّقِيلُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَتَاعِ النَّفِيسِ.

وَإِخْرَاجُ الأَرْض أثقالها ناشىء عَنِ انْشِقَاقِ سَطْحِهَا فَتَقْذِفُ مَا فِيهَا مِنْ مَعَادِنَ وَمِيَاهٍ وَصَخْرٍ.

وَذَلِكَ مِنْ تَكَرُّرِ الِانْفِجَارَاتِ النَّاشِئَةِ عَنِ اضْطِرَابٍ دَاخِلِ طَبَقَاتِهَا وَانْقِلَابِ أَعَالِيهَا أَسَافِلَ وَالْعَكْسِ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْإِنْسانُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ وَقَالَ النَّاسُ مَا لَهَا، أَيْ النَّاسُ الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ فَفَزِعُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، أَوْ قَالَ كُلُّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ حَتَّى اسْتَوَى فِي ذَلِكَ الْجَبَانُ وَالشُّجَاعُ، وَالطَّائِشُ وَالْحَكِيمُ، لِأَنَّهُ زِلْزَالٌ تَجَاوَزَ الْحَدَّ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى مِثْلِهِ الصَّبُورُ.