للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُصُولِهِ إِذْ كَانُوا يَسْأَلُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ، ثُمَّ تَوْقِيتُهُ بِمَا هُوَ مَجْهُولٌ لَهُمْ إِبْهَامًا آخَرَ لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُفَاجَأَتِهِ، وَأُبْرِزَ فِي صُورَةِ التَّوْقِيتِ لِلتَّشْوِيقِ إِلَى الْبَحْثِ عَنْ تَقْدِيرِهِ، فَإِذَا بَاءَ الْبَاحِثُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَخْذٍ بِحِيطَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِحُلُولِهِ بِمَا يُنْجِيهِ مِنْ مَصَائِبِهِ الَّتِي قُرِعَتْ بِهِ الْأَسْمَاعُ فِي آيٍ كَثِيرَةٍ.

فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَهْوِيلٌ شَدِيدٌ بِثَمَانِيَةِ طُرُقٍ: وَهِيَ الِابْتِدَاءُ بِاسْمِ الْقَارِعَةِ، الْمُؤْذِنِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَالِاسْتِفْهَامُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّهْوِيلِ، وَالْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، والاستفهام عَمَّا ينبىء بِكُنْهِ الْقَارِعَةِ، وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ ثَانِيَ مَرَّةٍ، وَالتَّوْقِيتُ بِزَمَانٍ مَجْهُولٍ حُصُولِهِ وَتَعْرِيفُ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَحْوَالٍ مَهُولَةٍ.

وَالْفَرَاشُ: فَرْخُ الْجَرَادِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْضِهِ مِنَ الْأَرْضِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَهُوَ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [الْقَمَر: ٧] . وَقَدْ يُطْلَقُ الْفَرَاشُ عَلَى مَا يَطِيرُ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَيَتَسَاقَطُ عَلَى النَّارِ لَيْلًا وَهُوَ إِطْلَاقٌ آخَرُ لَا يُنَاسِبُ تَفْسِيرَ لَفْظِ

الْآيَةِ هُنَا بِهِ.

والْمَبْثُوثِ: الْمُتَفَرِّقُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

وَجُمْلَةُ: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَجُمْلَةِ: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ [القارعة: ٦] إِلَخْ. وَهُوَ إِدْمَاجٌ لِزِيَادَةِ التَّهْوِيلِ.

وَوَجْهُ الشَّبَهِ كَثْرَةُ الِاكْتِظَاظِ عَلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ.

وَالْعِهْنُ: الصُّوفُ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْمَصْبُوغِ الْأَحْمَرِ، أَوْ ذِي الْأَلْوَانِ، كَمَا فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ:

كَأَنَّ فُتَاتَ الْعِهْنِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ

لِأَنَّ الْجِبَالَ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ بِحِجَارَتِهَا وَنَبْتِهَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها [فاطر: ٢٧] .

وَالْمَنْفُوشُ: الْمُفَرَّقُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ عَنْ بَعْضٍ لِيُغْزَلَ أَوْ تُحْشَى بِهِ الْحَشَايَا، وَوَجْهُ