للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا السِّحْرُ فَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٠٢] .

وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنَ النَّفَّاثَاتِ لَا مِنَ النَّفْثِ، فَلَمْ يَقُلْ: إِذَا نَفَثْنَ فِي الْعُقَدِ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ نَفْثَهُنَّ فِي الْعُقَدِ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَجْلِبُ ضُرًّا بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَجْلِبُ الضُّرَّ النَّافِثَاتُ وَهُنَّ مُتَعَاطِيَاتُ السِّحْرِ، لِأَنَّ السَّاحِرَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ لَا يَتْرُكَ شَيْئًا مِمَّا يُحَقِّقُ لَهُ مَا يَعْمَلُهُ لِأَجْلِهِ إِلَّا احْتَالَ عَلَى إِيصَالِهِ إِلَيْهِ، فَرُبَّمَا وَضَعَ لَهُ فِي طَعَامِهِ أَوْ شَرَابِهِ عَنَاصِرَ مُفْسِدَةً لِلْعَقْلِ أَوْ مُهْلِكَةً بِقصد أَو بِغَيْر قَصْدٍ، أَوْ قَاذُورَاتٍ يُفْسِدُ اخْتِلَاطُهَا بِالْجَسَدِ بَعْضَ عَنَاصِرِ انْتِظَامِ الْجِسْمِ يختلّ بهَا نشاط أعصابه أَوْ إِرَادَتُهُ، وَرُبَّمَا أَغْرَى بِهِ مَنْ يَغْتَالُهُ أَوْ مَنْ يَتَجَسَّسُ عَلَى أَحْوَالِهِ لِيُرِيَ لِمَنْ يَسْأَلُونَهُ السِّحْرَ أَنَّ سحره لَا يتَخَلَّف وَلَا يخطىء.

وَتَعْرِيفُ النَّفَّاثاتِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ فِي معنى النكرَة، فَلَا تَفَاوُتَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ [الفلق: ٣] وَقَوْلِهِ: وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ [الفلق: ٥] . وَإِنَّمَا

أُوثِرَ لَفْظُ النَّفَّاثاتِ بِالتَّعْرِيفِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي مِثْلِهِ للْإِشَارَة إِلَى أَن حَقِيقَةٌ مَعْلُومَةٌ لِلسَّامِعِ مِثْلَ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِمْ: «أَرْسَلَهَا الْعِرَاكَ» كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ [٢] .

وَتَعْرِيفُ النَّفَّاثاتِ بِاللَّامِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُنَّ مَعْهُودَاتٌ بَين الْعَرَب.

[٥]

[سُورَة الفلق (١١٣) : آيَة ٥]

وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)

عُطِفَ شَرُّ الْحَاسِدِ عَلَى شَرِّ السَّاحِرِ الْمَعْطُوفِ عَلَى شَرِّ اللَّيْلِ، لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةً وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَتِهِ، فَإِنَّ مِمَّا يَدْعُو الْحَاسِدَ إِلَى أَذَى الْمَحْسُودِ أَنْ يَتَطَلَّبَ حُصُولَ أَذَاهُ لِتَوَهُّمِ أَنَّ السِّحْرَ يُزِيلُ النِّعْمَةَ الَّتِي حَسَدَهُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ ثَوْرَانَ وِجْدَانِ الْجَسَدِ يَكْثُرُ فِي وَقْتِ اللَّيْلِ، لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ الْخُلْوَةِ وَخُطُورِ الْخَوَاطِرِ النَّفْسِيَّةِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْأَحْوَالِ الحافة بالحاسد وبالمحسود.

وَالْحَسَدُ: إِحْسَاسٌ نَفْسَانِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنِ اسْتِحْسَانِ نِعْمَةٍ فِي الْغَيْرِ مَعَ تَمَنِّي زَوَالِهَا عَنْهُ لِأَجْلِ غَيْرَةٍ عَلَى اخْتِصَاصِ الْغَيْرِ بِتِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ عَلَى مُشَارَكَتِهِ الْحَاسِدَ فِيهَا. وَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْحَسَدِ عَلَى الْغِبْطَةِ مَجَازًا.