للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصَلَاحُ الثَّمَرَةِ كَوْنُهَا بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِأَكْلِهَا دُونَ ضُرٍّ، وَصَلَاحُ الْمَالِ نَمَاؤُهُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَصَلَاحُ الْحَالِ كَوْنُهَا بِحَيْثُ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْآثَارُ الْحَسَنَةُ.

وإِصْلاحٌ لَهُمْ مُبْتَدَأٌ وَوَصْفُهُ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ أَوِ الِاخْتِصَاصِ. وَوَصَفَ الْإِصْلَاحَ بِ لَهُمْ دُونَ الْإِضَافَةِ إِذْ لَمْ يَقُلْ إِصْلَاحُهُمْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ قَصْرُهُ عَلَى إِصْلَاحِ ذَوَاتِهِمْ لِأَنَّ أَصْلَ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ أَنْ تَكُونَ لِذَاتِ الْفَاعِلِ أَوْ ذَاتِ الْمَفْعُولِ فَلَا تَكُونُ عَلَى مَعْنَى الْحَرْفِ، وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ طُرُقِ التَّعْرِيفِ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي عَهْدِ الْمُضَافِ فَعَدَلَ عَنْهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ إِصْلَاحٌ مُعَيَّنٌ كَمَا عَدَلَ عَنْهَا فِي قَوْله: ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ [يُوسُف: ٥٩] وَلَمْ يَقُلْ بِأَخِيكُمْ لِيُوهِمَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَخًا مَعْهُودًا عِنْدَهُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا

جَمِيعُ الْإِصْلَاحِ لَا خُصُوصَ إِصْلَاحِ ذَوَاتِهِمْ فَيَشْمَلُ إِصْلَاحَ ذَوَاتِهِمْ وَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ إِصْلَاحَ عَقَائِدِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْعَالَمِ، وَيَتَضَمَّنُ إِصْلَاحَ أَمْزِجَتِهِمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَالْأَخْطَارِ وَالْأَمْرَاضِ وَبِمُدَاوَاتِهِمْ، وَدَفْعِ الْأَضْرَارِ عَنْهُمْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ بِحَسَبِ مُعْتَادِ أَمْثَالِهِمْ دُونَ تَقْتِيرٍ وَلَا سَرَفٍ، وَيَشْمَلُ إِصْلَاحَ أَمْوَالِهِمْ بِتَنْمِيَتِهَا وَتَعَهُّدِهَا وَحِفْظِهَا. وَلَقَدْ أَبْدَعَ هَذَا التَّعْبِيرُ، فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ إِصْلَاحُهُمْ لَتُوُهِّمَ قَصْرُهُ عَلَى ذَوَاتِهِمْ فَيُحْتَاجُ فِي دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى إِصْلَاحِ الْأَمْوَالِ إِلَى الْقِيَاسِ وَلَوْ قِيلَ قُلْ تَدْبِيرُهُمْ خَيْرٌ لَتَبَادَرَ إِلَى تَدْبِيرِ الْمَالِ فَاحْتِيجَ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى إِصْلَاحِ ذَوَاتِهِمْ إِلَى فَحْوَى الْخِطَابِ.

وخَيْرٌ فِي الْآيَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ إِنْ كَانَ خِطَابًا لِلَّذِينَ حَمَلَهُمُ الْخَوْفُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى عَلَى اعْتِزَالِ أُمُورِهِمْ وَتَرْكِ التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِعِلَّةِ الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ التَّصَرُّفِ فِيهَا كَمَا يُقَالُ:

إِنَّ السَّلَامَةَ مِنْ سَلْمَى وَجَارَتِهَا ... أَنْ لَا تَحِلَّ عَلَى حَالٍ بِوَادِيهَا

فَالْمَعْنَى إِصْلَاحُ أُمُورِهِمْ خَيْرٌ مِنْ إِهْمَالِهِمْ أَيْ أَفْضَلُ ثَوَابًا وَأَبْعَدُ عَنِ الْعِقَابِ، أَيْ خَيْرٌ فِي حُصُولِ غَرَضِكُمُ الْمَقْصُودِ مِنْ إِهْمَالِهِمْ فَإِنَّهُ يَنْجَرُّ مِنْهُ إِثْمُ الْإِضَاعَةِ وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ ثَوَابُ السَّعْيِ وَالنَّصِيحَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً مُقَابِلَ الشَّرِّ إِنْ كَانَ خِطَابًا لِتَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَالْمَعْنَى إِصْلَاحُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَتَرْكُ إِضَاعَتِهِمْ فِي الْأَمْرَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ خَيْرٌ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ لَيْسَ بِخَيْرٍ بَلْ هُوَ شَرٌّ، فَيَكُونُ مُرَادًا مِنَ الْآيَةِ