للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضَجَرٍ.

فَالْإِيمَانُ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَأَفْعَالِ الْبِرِّ، وَالَّذِي يَأْتِي تِلْكَ الْمَأْمُورَاتِ يُثَبِّتُ نَفْسَهُ بِأَخْلَاقِ

الْإِيمَانِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَصِيرُ الْآيَةُ تَحْرِيضًا عَلَى تَكْرِيرِ الْإِنْفَاقِ.

وَمُثِّلَ هَذَا الْإِنْفَاقُ بِجَنَّةٍ بِرُبْوَةٍ إِلَخ، وَوَجْهُ الشّبَه هُوَ الهيأة الْحَاصِلَةُ مِنْ مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ تَكَامَلَ بِهَا تَضْعِيف الْمَنْفَعَة، فالهيأة الْمُشَبَّهَةُ هِيَ النَّفَقَةُ الَّتِي حَفَّ بهَا طلب رَضِي اللَّهِ وَالتَّصْدِيقُ بِوَعْدِهِ فَضُوعِفَتْ أَضْعَافًا كَثِيرَةً أَوْ دُونَهَا فِي الْكَثْرَة، والهيأة الْمُشَبَّهَةُ بهَا هِيَ هيأة الْجَنَّةِ الطَّيِّبَةِ الْمَكَانِ الَّتِي جَاءَهَا التَّهْتَانُ فَزَكَا ثَمَرُهَا وَتَزَايَدَ فَأُكْمِلَتِ الثَّمَرَةُ، أَوْ أَصَابَهَا طَلٌّ فَكَانَتْ دُونَ ذَلِكَ.

وَالْجَنَّةُ مَكَانٌ مِنَ الْأَرْضِ ذُو شَجَرٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يُجَنُّ أَيْ يستر الْكَائِن فِيهِ فَاسْمُهَا مُشْتَقٌّ مِنْ جَنَّ إِذَا سَتَرَ، وَأَكْثَرُ مَا تُطْلَقُ الْجَنَّةُ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى ذَاتِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ الْمُخْتَلِفِ الْأَصْنَافِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مَغْرُوسًا نَخِيلًا بَحْتًا فَإِنَّمَا يُسَمَّى حَائِطًا. وَالْمُشْتَهِرُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ غَيْرِ النَّخِيلِ هُوَ الْكَرْمُ وَثَمَرُهُ الْعِنَبُ أَشْهَرُ الثِّمَارِ فِي بِلَادِهِمْ بَعْدَ التَّمْرِ، فَقَدْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى بِلَادِ الْيَمَنِ وَالطَّائِفِ. وَمِنْ ثِمَارِهِمُ الرُّمَّانُ، فَإِنْ كَانَ النَّخْلُ مَعَهَا قِيلَ لَهَا جَنَّةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يُرَادُ بِهَا حَائِطُ النَّخْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ١٤١] وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ. فَعَطَفَ النَّخْلَ عَلَى الْجَنَّاتِ، وَذَكَرَ الْعَرِيشَ وَهُوَ مِمَّا يُجْعَلُ لِلْكَرْمِ، هَذَا مَا يُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلَامِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ.

وَقَدْ حَصَلَ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِحَبَّةٍ ثُمَّ بِجَنَّةٍ جِنَاسٌ مُصَحَّفٌ.

وَالرَّبْوَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا مَكَانٌ مِنَ الْأَرْضِ مُرْتَفِعٌ دُونَ الْجُبَيْلِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْعَشَرَةِ بِرُبْوَة بِضَمِّ الرَّاءِ وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ. وَتَخْصِيصُ الْجَنَّةِ بِأَنَّهَا فِي رَبْوَةٍ لِأَنَّ أَشْجَارَ الرُّبَى تَكُونُ أَحْسَنَ مَنْظَرًا وَأَزْكَى ثَمَرًا فَكَانَ لِهَذَا الْقَيْدِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا قُوَّةُ وَجْهِ الشَّبَهِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ ضِعْفَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ تَحْسِينُ الْمُشَبَّهِ بِهِ الرَّاجِعُ إِلَى تَحْسِينِ الْمُشَبَّهِ فِي تَخَيُّلِ السَّامِعِ.