للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفْدِ هَوَازِنَ: قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَرْفَعْ إِلَيَّ عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ»

، وَكَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَفِي الْحُقُوقِ الْقِبْلِيَّةِ.

وَمَعْنَى بِالْعَدْلِ أَيْ بِالْحَقِّ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْوَصِيِّ وَالْمُقَدَّمِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَاضٍ إِذَا ظَهَرَ سَبَبُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ خَشْيَةَ التَّوَاطُؤِ عَلَى إِضَاعَةِ أَمْوَالِ الضُّعَفَاءِ.

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى.

عَطْفٌ عَلَى فَاكْتُبُوهُ، وَهُوَ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بَيَانًا لَهُ إِذْ لَوْ كَانَ بَيَانًا لَمَا اقْتَرَنَ بِالْوَاوِ.

فَالْمَأْمُورُ بِهِ المتداينون شيآن: الْكِتَابَةُ، وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكِتَابَةِ ضَبْطُ صِيغَةِ التَّعَاقُدِ وَشُرُوطِهِ وَتَذَكُّرُ ذَلِكَ خَشْيَةَ النِّسْيَانِ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَمَّاهَا الْفُقَهَاءُ ذُكْرَ الْحَقِّ، وَتُسَمَّى عَقْدًا قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:

حَذَرَ الْجَوْرِ وَالتَّطَاخِي وَهَلْ يَنْ ... قُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ

قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ [الْبَقَرَة: ٢٨٣] ، فَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَ فُقْدَانِ الْكَاتِبِ وَبَيْنَ الرَّهْنِ دَرَجَةً وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِلَا كِتَابَةٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً [الْبَقَرَة: ٢٨٣] صَارَ فِي مَعْنَى وَلَمْ تَجِدُوا شَهَادَةً، وَلِأَجْلِ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَاتِبُ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ. وَإِنَّمَا جَعَلَ الْقُرْآنُ كَاتِبًا وَشَاهِدَيْنِ لِنُدْرَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْكِتَابَةِ وَأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ.

وَاسْتَشْهِدُوا بِمَعْنَى أَشْهِدُوا، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُمَا لِلطَّلَبِ أَيِ اطْلُبُوا شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ، فَيَكُونُ تَكْلِيفًا بِالسَّعْيِ لِلْإِشْهَادِ وَهُوَ التَّكْلِيفُ الْمُتَعَلِّقُ بِصَاحِبِ الْحَقِّ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا تَكْلِيفًا لِمَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا أَلَّا يَمْتَنِعَ.