للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى انْتِفَاءِ تُهْمَةِ تَسَاهُلِهِمْ بِحُقُوق الْمُسلمين، وَخَالفهُ الْجُمْهُورُ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ لِقَاضِي الْمُسْلِمِينَ مَعْرِفَةُ أَمَانَةِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَصِدْقِ أَخْبَارِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا.

وَظَاهِرُ الْآيَةِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ الْعَدْلِ وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الْمُرَادُ الْأَحْرَارُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَخْصِيصَ الْعَبِيدِ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ بِالْعُرْفِ وَبِالْقِيَاسِ، أَمَّا الْعُرْفُ فَلِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الرَّجُلِ وَالرِّجَالِ أَلَّا يَرِدَ مُطْلَقًا إِلَّا مُرَادًا بِهِ الْأَحْرَارُ، يَقُولُونَ: رِجَالُ الْقَبِيلَةِ وَرِجَالُ الْحَيِّ، قَالَ مَحْكَانُ التَّمِيمِيُّ:

يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ قُومِي غَيْرَ صَاغِرَةٍ ... ضُمِّي إِلَيْكِ رِجَالَ الْحَيِّ وَالْغُرَبَا

وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِمْ فِي الْمُجْتَمَعِ لِأَنَّ حَالَةَ الرِّقِّ تَقْطَعُهُمْ عَن غير شؤون مَالِكِيهِمْ فَلَا يَضْبِطُونَ أَحْوَالَ الْمُعَامَلَاتِ غَالِبًا وَلِأَنَّهُمْ يَنْشَؤُونَ عَلَى عَدَمِ الْعِنَايَةِ بِالْمُرُوءَةِ، فَتَرْكُ اعْتِبَارِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مَعْلُولٌ لِلْمَظِنَّةِ وَفِي النَّفْسِ عَدَمُ انْثِلَاجٍ لِهَذَا التَّعْلِيلِ.

وَاشْتُرِطَ الْعَدَدُ فِي الشَّاهِدِ وَلَمْ يُكْتَفَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا تَعَلَّقَتْ بِحَقٍّ مُعَيَّنٍ لِمُعَيَّنٍ اتُّهِمَ الشَّاهِدُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ الظَّالِمُ الطَّالِبُ لِحَقٍّ مَزْعُومٍ فَيَحْمِلَهُ عَلَى تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ، فَاحْتِيجَ إِلَى حَيْطَةٍ تَدْفَعُ التُّهْمَةَ فَاشْتُرَطَ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَكَفَى بِهِ وَازِعًا، وَالْعَدَالَةُ لِأَنَّهَا تَزَعُ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ وَالْمُرُوءَةُ، وَزِيدَ انْضِمَامُ ثَانٍ إِلَيْهِ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَتَوَاطَأَ كِلَا الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الزُّورِ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ التَّعَدُّدَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِيهَا إِذْ لَا تَتَعَلَّقُ بِحَقٍّ مُعَيَّنٍ، وَلِهَذَا لَوْ رَوَى رَاوٍ حَدِيثًا هُوَ حُجَّةٌ فِي قَضِيَّةٍ لِلرَّاوِي فِيهَا حَقٌّ لَمَا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ، وَقَدْ كَلَّفَ عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ مَعَهُ عَلَى

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ»

إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِي ادِّعَاءِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ عُمَرُ فِي الثَّالِثَةِ رَجَعَ، فَشَهِدَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ

الْخُدْرِيُّ فِي مَلَأٍ مِنَ الْأَنْصَارِ.

وَالْعَدَدُ هُوَ اثْنَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ كَمَا هُنَا.

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ أَيْ لَمْ يَكُنِ الشَّاهِدَانِ رَجُلَيْنِ، أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يَحْضُرِ الْمُعَامَلَةَ رَجُلَانِ بَلْ حَضَرَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَشْهَدَانِ. فَقَوْلُهُ: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ