للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِذْ جَعَلَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ بَيَانا لحَاجَة وَأُخْرَى، أَوْ تَجْعَلُ تُدِيرُونَها صفة ثَانِيَة لتِجَارَة فِي مَعْنَى الْبَيَانِ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذِكْرِهِ الْإِيمَاءُ إِلَى تَعْلِيلِ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ إِدَارَتَهَا أَغْنَتْ عَنِ الْكِتَابَةِ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَالْمُرَادُ بِالتِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ الْمُؤَجَّلَةُ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الدُّيُونِ، رَخَّصَ فِيهَا تَرْكَ الْكِتَابَةِ بِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ.

وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ الِاسْتِثْنَاءِ، مَعَ مَا فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ: جُناحٌ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ رُخْصَةٌ، لِأَنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْلَى وَأَحْسَنُ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ تِجَارَةٌ بِالرَّفْعِ: عَلَى أَنَّ تَكُونَ تَامَّةٌ، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ بِالنَّصْبِ: عَلَى أَنَّ تَكُونَ نَاقِصَةٌ، وَأَنَّ فِي فِعْلِ تَكُونَ ضَمِيرًا مُسْتَتِرًا عَائِدًا عَلَى مَا يُفِيدُهُ خَبَرُ كَانَ، أَيْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ تِجَارَةً حَاضِرَةً، كَمَا فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ- أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ-:

بَنِي أَسَدٍ هَلْ تَعْلَمُونَ بَلَاءَنَا ... إِذا كَانَ يوماذا كَوَاكِبَ أَشْنَعَا

تَقْدِيرُهُ إِذَا كَانَ الْيَوْم يوماذا كَوَاكِبَ، وَقَوْلُهُ: أَلَّا أَصْلُهُ إِنْ لَا فَرُسِمَ مُدْغَمًا.

وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ.

تَشْرِيعٌ لِلْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِغَيْرِ دَيْنٍ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ غَيْرَ تِجَارَةٍ حَاضِرَةٍ، وَهَذَا إِكْمَالٌ لِصُوَرِ الْمُعَامَلَةِ: فَإِنَّهَا إِمَّا تَدَايُنٌ، أَوْ آيِلٌ إِلَيْهِ كَالْبَيْعِ بِدَيْنٍ، وَإِمَّا تَنَاجُزٌ فِي تِجَارَةٍ، وَإِمَّا تَنَاجُزٌ فِي غَيْرِ تِجَارَةٍ كَبَيْعِ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ فِي غَيْرِ التَّجْرِ. وَقيل: المُرَاد بتبايعتم التِّجَارَةُ، فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ الْكِتَابَةِ مَعَ بَقَاءِ الْإِشْهَادِ بِدُونِ كِتَابَةٍ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ

مَا شُرِعَتْ إِلَّا لِأَجْلِ الْإِشْهَادِ وَالتَّوَثُّقِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَشْهِدُوا أَمْرٌ: قِيلَ هُوَ لِلْوُجُوبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ،