للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَهُوَ الْقَصَصُ ضَمِيرُ فَصْلٍ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ الِابْتِدَاءِ لِزِيَادَةِ التَّقْوِيَةِ الَّتِي أَفَادَهَا ضَمِيرُ الْفَصْلِ لِأَنَّ اللَّامَ وَحْدَهَا مُفِيدَةٌ تَقْوِيَةَ الْخَبَرِ وَضَمِيرَ الْفَصْلِ يُفِيدُ الْقَصْرَ أَيْ هَذَا الْقَصَصُ لَا مَا تَقُصُّهُ كُتُبُ النَّصَارَى وَعَقَائِدُهُمْ.

والْقَصَصُ- بِفَتْحِ الْقَافِ وَالصَّادِ- اسْمٌ لِمَا يُقَصُّ، يُقَالُ: قَصَّ الْخَبَرَ قَصًّا إِذَا أَخْبَرَ بِهِ، وَالْقَصُّ أَخَصُّ مِنَ الْإِخْبَارِ فَإِنَّ الْقَصَّ إِخْبَارٌ بِخَبَرٍ فِيهِ طُولٌ وَتَفْصِيلٌ وَتُسَمَّى الْحَادِثَةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُخْبَرَ بِهَا قِصَّةً- بِكَسْرِ الْقَافِ- أَيْ مَقْصُوصَةً أَيْ مِمَّا يَقُصُّهَا الْقُصَّاصُ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَنْتَصِبُ لِتَحْدِيثِ النَّاسِ بِأَخْبَارِ الْمَاضِينَ قَصَّاصٌ- بِفَتْحِ الْقَافِ-. فَالْقَصَصُ اسْمٌ لِمَا يُقَصُّ: قَالَ تَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ وَلَيْسَ هُوَ مَصْدَرًا، وَمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ فَذَلِكَ تَسَامُحٌ مِنْ تَسَامُحِ الْأَقْدَمِينَ، فَالْقَصُّ بِالْإِدْغَامِ مَصْدَرٌ، وَالْقَصَصُ بِالْفَكِّ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ وَاسْمٌ لِلْخَبَرِ الْمَقْصُوصِ.

وَقَوْلُهُ: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ تَأْكِيدٌ لِحَقِّيَّةِ هَذَا الْقَصَصِ. وَدَخَلَتْ مِنَ الزَّائِدَةُ بَعْدَ حرف نفي تَنْصِيصًا على قصد النَّفْي الْجِنْسِ لِتَدُلَّ الْجُمْلَةُ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ بِالصَّرَاحَةِ، وَدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ، وَأَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْوَحْدَةِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ، فَيُوهِمُ أَنَّهُ قد يكون إِلَّا هان أَوْ أَكْثَرُ فِي شِقٍّ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا يؤول إِلَى نَفْيِ الشَّرِيكِ لَكِنْ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فِيهِ مَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ فَأَفَادَ تَقْوِيَةَ الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِزَّةِ وَالْحُكْمِ، وَالْمَقْصُودُ إِبْطَالُ إِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ مِنَ النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ الْيَهُودُ وَذَلِكَ ذِلَّةٌ وَعَجْزٌ لَا يَلْتَئِمَانِ مَعَ الْإِلَهِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهٌ وَهُوَ غَيْرُ عَزِيزٍ وَهُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضًا إِبْطَالٌ لِإِلَهِيَّتِهِ عَلَى اعْتِقَادِنَا لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا لِإِنْقَاذِهِ مِنْ أَيْدِي الظَّالِمِينَ.

وَجُمْلَةُ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَقُلْ تَعالَوْا [آل عمرَان:

٦١] وَهَذَا تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ إِذْ نَكَصُوا عَنِ الْمُبَاهَلَةِ، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَصَدُوا الْمُكَابَرَةَ وَلَمْ يَتَطَلَّبُوا الْحَقَّ،

رُوِيَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَبَوُا الْمُبَاهَلَةَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَسْلِمُوا» فَأَبَوْا فَقَالَ: «فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ» فَأَبَوْا فَقَالَ لَهُمْ: «فَإِنِّي أَنْبِذُ إِلَيْكُمْ عَلَى سَوَاءٍ»