للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَعْقُوبُ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ فَهُوَ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، إِعْرَاضًا عَنْ مُخَاطَبَتِهِمْ إِلَى مُخَاطَبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّعْجِيبِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَكُلُّهُ تَفْرِيعُ ذِكْرِ أَحْوَالِ خَلَفِ أُولَئِكَ الْأُمَمِ كَيْفَ اتَّبَعُوا غَيْرَ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدُ بِهِ. وَالِاسْتِفْهَامُ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيبِ.

وَدِينُ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمرَان: ١٩] وَإِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ لِتَشْرِيفِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ، أَوْ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَوْمَئِذٍ قَدْ نُسِخَ بِمَا هُوَ دِينُ اللَّهِ.

وَمَعْنَى تَبْغُونَ وتطلبون يُقَالُ بَغَى الْأَمْرَ يَبْغِيهِ بُغَاءً- بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالْمَدِّ، وَيُقْصَرُ- وَالْبُغْيَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَهَاءٍ فِي آخِرِهِ قِيلَ مَصْدَرٌ، وَقِيلَ اسْمٌ، وَيُقَالُ ابْتَغَى بِمَعْنَى بَغَى، وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلطَّلَبِ وَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ. وَقِيَاسُ مَصْدَرِهِ الْبَغْيُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعِ الْبَغْيُ إِلَّا فِي مَعْنَى الِاعْتِدَاءِ وَالْجَوْرِ، وَذَلِكَ فِعْلُهُ قَاصِرٌ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الطَّلَبِ وَبَيْنَ الِاعْتِدَاءِ، فَأَمَاتُوا الْمَصْدَرَ الْقِيَاسِيَّ لِبَغَى بِمَعْنَى طَلَبَ وَخَصُّوهُ بِبَغَى بِمَعْنَى اعْتَدَى وَظَلَمَ: قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى: ٤٢] وَيُقَالُ تَبَغَّى بِمَعْنَى ابْتَغَى.

وَجُمْلَةُ وَلَهُ أَسْلَمَ» حَالٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مَعْنَى الْإِسْلَامِ لِلَّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمرَان: ٢٠] .

وَمَعْنَى طَوْعاً وَكَرْهاً أَنَّ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنْ أَسْلَمَ عَنِ اخْتِيَارٍ لِظُهُورِ الْحَقِّ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ بِالْجِبِلَّةِ وَالْفِطْرَةِ كَالْمَلَائِكَةِ، أَوِ الْإِسْلَامِ كَرْهًا هُوَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ أَيْ أَكْرَهَتْهُ الْأَدِلَّةُ وَالْآيَاتُ أَوْ هُوَ إِسْلَامُ الْكَافِرِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَرُؤْيَةُ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، أَوْ هُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.

وَالْكَرْهُ- بِفَتْحِ الْكَافِ- هُوَ الْإِكْرَاهُ، وَالْكُرْهُ- بِضَمِّ الْكَافِ- الْمَكْرُوهِ.

وَمَعْنَى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَنَّهُ يُرْجِعُكُمْ إِلَيْهِ فَفِعْلُ رَجَعَ الْمُتَعَدِّي أُسْنِدَ إِلَى الْمَجْهُولِ.

لِظُهُورِ فَاعِلِهِ، أَيْ يُرْجِعُكُمُ اللَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْقِيَامَةِ، وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذَا، عَقِبَ التَّوْبِيخِ وَالتَّحْذِيرِ، أَنَّ الرَّبَّ الَّذِي لَا مَفَرَّ مِنْ حُكْمِهِ لَا يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ دِينٍ أَمَرَهُ بِهِ، وَحَقُّهُ أَنْ يُسْلِمَ إِلَيْهِ نَفْسَهُ مُخْتَارًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَهَا اضْطِرَارًا.

وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَرْهاً.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ- بِتَاءِ الْخِطَابِ-، وَقَرَأَهُ حَفْصٌ بياء الْغَيْبَة.