للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ إِلَّا قُوَّةً. وَلَيْسَت الِاسْتِعَارَةُ بِوَضْعِ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى جَدِيدٍ حَتَّى يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ الْجَدِيدَةَ، الْحَاصِلَةَ فِي الِاسْتِعَارَةِ الثَّانِيَةِ، صَارَتْ غَيْرَ مُلَائِمَةٍ لِمَعْنَى الْمُسْتَعَارِ فِي الِاسْتِعَارَةِ الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا هِيَ اعْتِبَارَاتٌ لَطِيفَةٌ تَزِيدُ كَثْرَتُهَا الْكَلَامَ حُسْنًا. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّوْرِيَةُ، فَإِنَّ فِيهَا حُسْنًا بِإِيهَامِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ مَعَ إِرَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ عِنْدَ إِرَادَةِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ الْمَعْنَى الْآخَرُ مَقْصُودًا، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَكُونُ الْكَلَامُ صَرِيحًا فِي الْأَمْرِ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الدِّينِ

بَلْ ظَاهِرُهُ أنّه أَمر للْمُؤْمِنين بالتمسّك بالدّين فيؤول إِلَى أَمْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَيَصِيرُ قَوْلُهُ: جَمِيعاً مُحْتَمِلًا لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ وَاوِ الْجَمَاعَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا تَفَرَّقُوا تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ اعتصموا جَمِيعًا كَقَوْلِهِم: ذَمَمْتُ وَلَمْ تُحْمَدْ.

عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَلا تَفَرَّقُوا أَمْرًا ثَانِيًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى طَلَبِ الِاتِّحَادِ فِي الدِّينِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُؤَكَّدُ بِنَفْيِ ضِدِّهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٤٠] وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ.

وَقَوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَصْوِير لِحَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا لِيَحْصُلَ مِنِ اسْتِفْظَاعِهَا انْكِشَافُ فَائِدَةِ الْحَالَةِ الَّتِي أُمِرُوا بِأَنْ يَكُونُوا عَلَيْهَا وَهِيَ الِاعْتِصَامُ جَمِيعًا بِجَامِعَةِ الْإِسْلَامِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ نَجَاتِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّذِي اخْتَارَ لَهُمْ هَذَا الدِّينَ، وَفِي ذَلِكَ تَحْرِيضٌ عَلَى إِجَابَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِالِاتِّفَاقِ.

وَالتَّذْكِيرُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ مَوَاعِظِ الرُّسُلِ. قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ هُودٍ:

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الْأَعْرَاف: ٦٩] وَقَالَ عَنْ شُعَيْبٍ: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الْأَعْرَاف: ٨٦] وَقَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: ٥] . وَهَذَا التَّذْكِيرُ خَاصٌّ بِمن أسلم من الْمُسلمين بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ