للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِلِاسْتِعَانَةِ بِآرَائِهِمْ، بَلِ الْمَعْنَى: لَوْ كُنْتَ فَظًّا لَنَفَرَكَ كَثِيرٌ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَكَ فَهَلَكُوا، أَوْ يَكُونُ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ [آل عمرَان: ١٥٤] فَالْمَعْنَى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا لَأَعْلَنُوا الْكُفْرَ وَتَفَرَّقُوا عَنْكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّكَ لِنْتَ لَهُمْ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ خَاصَّةً، لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ:

وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ إِلَخْ يُنَافِي ذَلِكَ الْمحمل.

والفظّ: السيء الْخُلُقِ، الْجَافِي الطَّبْعِ.

وَالْغَلِيظُ الْقَلْبِ: الْقَاسِيهِ، إِذِ الْغِلْظَةُ مَجَازٌ عَنِ الْقَسْوَةِ وَقِلَّةِ التَّسَامُحِ، كَمَا كَانَ اللِّينُ مَجَازًا فِي عَكْسِ ذَلِكَ، وَقَالَتْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ لِعُمَرَ- حِينَ انْتَهَرَهُنَّ- «أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ» يُرِدْنَ أَنْتَ فَظٌّ وَغَلِيظٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ.

وَالِانْفِضَاضُ: التَّفَرُّقُ. ومِنْ حَوْلِكَ أَيْ مِنْ جِهَتِكَ وَإِزَائِكَ، يُقَالُ: حوله وحوليه وحواليه وحواله وحياله وَبِحِيَالِهِ. وَالضَّمِيرُ لِلَّذِينَ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ، أَيِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الدِّينِ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ الشِّدَّةَ، وَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ: شُبِّهَتْ هَيْئَةُ النُّفُورِ مِنْهُ وَكَرَاهِيَةُ الدُّخُولِ فِي

دِينِهِ بِالِانْفِضَاضِ مِنْ حَوْلِهِ أَيِ الْفِرَارِ عَنْهُ مُتَفَرِّقِينَ، وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ حَوْلَهُ مُتَّبِعُونَ لَهُ.

وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ: فَاعْفُ عَنْهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: لِنْتَ لَهُمْ الْآيَةَ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا مُنَاسِبٌ لِلِّينِ، فَأَمَّا الْعَفْوُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَأَمْرُهُمَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَطْفُ وَشاوِرْهُمْ فَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ كَانَ عَنْ تَشَاوُرٍ مَعَهُمْ وَإِشَارَتِهِمْ، وَيَشْمَلُ هَذَا الضَّمِيرُ جَمِيعَ الَّذِينَ لَان لَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ سَوَاءٌ مَنْ صَدَرَ مِنْهُمْ أَمْرٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرُهُمْ.

وَالْمُشَاوَرَةُ مَصْدَرُ شَاوَرَ، وَالِاسْمُ الشُّورَى وَالْمَشُورَةُ- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ- أَصْلُهَا مَفْعُلَةٌ- بِضَمِّ الْعَيْنِ، فَوَقَعَ فِيهَا نَقْلُ حَرَكَةِ الْوَاوِ إِلَى السَّاكِنِ-. قِيلَ: الْمُشَاوَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ شَارَ الدَّابَّةَ إِذَا اخْتَبَرَ جَرْيَهَا عِنْدَ الْعَرْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَفِعْلُ شَارَ الدَّابَّةَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمِشْوَارِ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي تَرْكُضُ فِيهِ الدَّوَابُّ. وَأَصْلُهُ