للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ حَالٌ، وَإِن مُخَفَّفَةٌ مُهْمَلَةٌ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهُ عَلَى رَأْيِ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ إِذْ لَا وَجْهَ لِزَوَالِ عَمَلِهَا مَعَ بَقَاءِ مَعْنَاهَا، وَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَفْتُوحَةِ إِذَا خُفِّفَتْ فَقَدْ قَدَّرُوا لَهَا اسْمًا هُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، بَلْ نَجِدُ الْمَكْسُورَةَ أَوْلَى بِبَقَاءِ الْعَمَلِ عِنْدَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ فَلَا يَزُولُ عَمَلُهَا بِسُهُولَةٍ، وَقَالَ جُمْهُورُ النُّحَاةِ: يَبْطُلُ عَمَلُهَا وَتَكُونُ بَعْدَهَا جُمْلَةً، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِإِهْمَالِهَا أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ مُفْرَدَيْنِ بَلْ تَعْمَلُ فِي ضَمِيرِ شَأْنٍ وَجُمْلَةٍ إِمَّا اسْمِيَّةٍ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مِنَ النَّوَاسِخِ غَالِبًا.

وَوُصِفَ الضَّلَالُ بِالْمُبِينِ لِأَنَّهُ لِشِدَّتِهِ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى أَحَدٍ بِشَائِبَةِ هُدًى، أَوْ شُبْهَةٍ، فَكَانَ حَالُهُ مُبَيِّنًا كَوْنَهُ ضَلَالًا كَقَوْلِهِ: قالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [النَّمْل: ١٣] .

وَالْمُرَادُ بِهِ ضَلَالُ الشِّرْكِ وَالْجَهَالَةِ وَالتَّقَاتُلِ وَأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَشْمَلَ قَوْلُهُ: عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ الْعُصُورِ وَيُرَادُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْبَشَرِ. وَيُرَادُ بِإِسْنَادِ تَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ إِلَيْهِ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْإِسْنَادِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ، لِأَنَّ تَعْلِيمَ ذَلِكَ مُتَلَقًّى مِنْهُ مُبَاشَرَةً أَو بالواسطة.

[١٦٥]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٦٥]

أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥)

عُطِفَ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ التَّعْجِيبِيُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ: أَنَّى هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ وَيَتَعَجَّبُ السَّامِعُ مِنْ صُدُورِهِ مِنْهُمْ بَعْدَ مَا عَلِمُوا مَا أَتَوْا مِنْ أَسْبَابِ الْمُصِيبَةِ، إِذْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْنَةٍ، وَقَدْ جَاءَ مَوْقِعُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَ مَا تَكَرَّرَ: مِنْ تَسْجِيلِ تَبِعَةِ الْهَزِيمَةِ عَلَيْهِمْ بِمَا ارْتَكَبُوا مِنْ عِصْيَانِ أَمْرِ الرَّسُولِ، وَمِنَ الْعَجَلَةِ إِلَى الْغَنِيمَةِ، وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَهُمْ بِالرِّضَا بِمَا وَقَعَ، وَذَكَّرَهُمُ النَّصْرَ الْوَاقِعَ يَوْمَ بَدْرٍ، عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ هُنَا إِنْكَارَ

تَعَجُّبِهِمْ مِنْ إِصَابَةِ الْهَزِيمَةِ إِيَّاهُمْ