للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِكَيْلَا يَتَذَرَّعُوا بِحَيَاءِ النِّسَاءِ وَضَعْفِهِنَّ وَطَلَبِهِنَّ مَرْضَاتَهُمْ إِلَى غَمَصِ حُقُوقِهِنَّ فِي أَكْلِ مُهُورِهِنَّ، أَوْ يَجْعَلُوا حَاجَتَهُنَّ لِلتَّزَوُّجِ لِأَجْلِ إِيجَادِ كَافِلٍ لَهُنَّ ذَرِيعَةً لِإِسْقَاطِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ، فَهَذَا مَا يُمْكِنُ فِي أَكْلِ مُهُورِهِنَّ، وَإِلَّا فَلَهُنَّ أَوْلِيَاءُ يُطَالِبُونَ الْأَزْوَاجَ بِتَعْيِينِ الْمُهُورِ، وَلَكِنْ دُونَ الْوُصُولِ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مَتَاعِبُ وَكُلَفٌ قَدْ يملّها صَاحب بالحقّ فَيَتْرُكَ طَلَبَهُ، وَخَاصَّةً النِّسَاءُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ.

وَإِلَى كَوْنِ الْخِطَابِ لِلْأَزْوَاجِ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا قَرَّرَتْ دَفْعَ الْمُهُورِ وَجَعَلَتْهُ شَرْعًا، فَصَارَ الْمَهْرُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ النِّكَاحِ فِي الْإِسْلَامِ،

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ كَقَوْلِهِ: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَغير ذَلِك [النِّسَاء: ٢٤] .

وَالْمَهْرُ عَلَامَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ الْمُخَادَنَةِ، لَكِنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الزَّوْجُ يُعْطِي مَالًا لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَيُسَمُّونَهُ حُلْوَانًا- بِضَمِّ الْحَاءِ- وَلَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا، فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ جَعَلَ الْمَالَ لِلْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: لِأَنَّ عَادَةَ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنْ يَأْكُلَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ مَهْرَهَا فَرَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ. وَعَنِ الْحَضْرَمِيِّ: خَاطَبَتِ الْآيَةُ الْمُتَشَاغِرِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ امْرَأَةً بِأُخْرَى، وَلَعَلَّ هَذَا أَخَذَ بِدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ وَلَيْسَ صَرِيحَ اللَّفْظِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُهُ عُمُومُ النِّسَاءِ وَعُمُومُ الصَّدُقَاتِ.

وَالصَّدُقَاتُ جَمْعُ صَدُقَةٍ- بِضَمِّ الدَّالِ- وَالصَّدُقَةُ: مَهْرُ الْمَرْأَةِ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الصِّدْقِ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ يَسْبِقُهَا الْوَعْدُ بِهَا فَيَصْدُقُهُ الْمُعْطِي.

وَالنِّحْلَةُ- بِكَسْرِ النُّونِ- الْعَطِيَّةُ بِلَا قَصْدِ عِوَضٍ، وَيُقَالُ: نُحْلٌ- بِضَمٍّ فَسُكُونٍ-.

وَانْتَصَبَ نِحْلَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ «صَدُقَاتِهِنَّ» ، وَإِنَّمَا صَحَّ مَجِيءُ الْحَالِ مُفْرِدَةً وَصَاحِبُهَا جَمْعٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْمُفْرَدِ الْجِنْسُ الصَّالِحُ لِلْأَفْرَادِ كُلِّهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِحْلَةٌ مَنْصُوبًا على المصدرية لآتوا لِبَيَانِ النَّوْعِ مِنَ الْإِيتَاءِ أَيْ إِعْطَاءِ كَرَامَةٍ.

وَسُمِّيَتِ الصَّدُقَاتُ نِحْلَةً إِبْعَادًا لِلصَّدُقَاتِ عَنْ أَنْوَاعِ الْأَعْوَاضِ، وَتَقْرِيبًا بِهَا إِلَى الْهَدِيَّةِ، إِذْ لَيْسَ الصَّدَاقُ عِوَضًا عَنْ مَنَافِعِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ بَيْنَ