للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنِ النَّحَّاسِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ سَمَّى هَذِهِ اللَّامَ لَامَ (أَنْ) .

وَمَعْنَى وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الْهِدَايَةُ إِلَى أُصُولِ مَا صَلَحَ بِهِ حَالُ الْأُمَمِ الَّتِي سَبَقَتْنَا، مِنْ كُلِّيَّاتِ الشَّرَائِعِ، وَمَقَاصِدِهَا. قَالَ الْفَخْرُ: «فَإِنَّ الشَّرَائِعَ وَالتَّكَالِيفَ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي نَفْسِهَا، إِلَّا أَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي بَابِ الْمَصَالِحِ» . قُلْتُ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً الْآيَةَ.

وَقَوْلُهُ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ أَيْ يَتَقَبَّلَ تَوْبَتَكُمْ، إِذْ آمَنْتُمْ وَنَبَذْتُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ نِكَاحِ أَزْوَاجِ الْآبَاءِ، وَنِكَاحِ أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ، وَنِكَاحِ الرَّبَائِبِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

وَمَعْنَى: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يَقْبَلُ تَوْبَتَكُمُ الْكَامِلَةَ بِاتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ، فَلَا تَنْقُضُوا ذَلِكَ بِارْتِكَابِ الْحَرَامِ. وَلَيْسَ مَعْنَى وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ يُوَفِّقُكُمْ لِلتَّوْبَةِ، فَيُشْكَلُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ لَا يَتَخَلَّفُ، إِذْ لَيْسَ التَّوْفِيقُ لِلتَّوْبَةِ بِمُطَّرِدٍ فِي جَمِيعِ النَّاسِ. فَالْآيَةُ تَحْرِيضٌ عَلَى التَّوْبَةِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْوَعْدَ بِقَبُولِهَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيضَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَا

فِي الْحَدِيثِ: «فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ»

هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِهَا، وَلِلْفَخْرِ وَغَيْرِهِ هُنَا تَكَلُّفَاتٌ لَا دَاعِيَ إِلَيْهَا.

وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ مُنَاسِبٌ لِلْبَيَانِ وَالْهِدَايَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِي التَّوْبَةِ بِطَرِيقِ الْوَعْدِ بِقَبُولِهَا، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَثَرُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فِي إِرْشَادِ الْأُمَّةِ وَتَقْرِيبِهَا إِلَى الرشد.

[٢٧]

[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ٢٧]

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧)

كَرَّرَ قَوْلَهُ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً فَلَيْسَ بِتَأْكِيدٍ لَفْظِيٍّ، وَهَذَا كَمَا يُعَادُ اللَّفْظُ فِي الْجَزَاءِ

وَالصِّفَةِ وَنَحْوِهَا، كَقَوْلِ الْأَحْوَصِ فِي الْحَمَاسَةِ.