للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِمْرَانَ [٧٥] . وَأَصْلُ أَدَّى أَنْ يَكُونَ مُضَاعَفَ أَدَى- بِالتَّخْفِيفِ- بِمَعْنَى أَوْصَلَ، لَكِنَّهُمْ أَهْمَلُوا أَدَى الْمُخَفَّفَ وَاسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِالْمُضَاعَفِ.

وَيُطْلَقُ الْأَدَاءُ مَجَازًا عَلَى الِاعْتِرَافِ وَالْوَفَاءِ بِشَيْءٍ. وَعَلَى هَذَا فَيُطْلَقُ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ عَلَى قَوْلِ الْحَقِّ وَالِاعْتِرَافِ بِهِ وَتَبْلِيغِ الْعِلْمِ وَالشَّرِيعَةِ عَلَى حَقِّهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَيُعْرَفُ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ قِيَاسَ الْأَدْوَنِ.

وَالْأَمَانَةُ: الشَّيْءُ الَّذِي يَجْعَلُهُ صَاحِبُهُ عِنْدَ شَخْصٍ لِيَحْفَظَهُ إِلَى أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٨٣] .

وَتُطْلَقُ الْأَمَانَةُ مَجَازًا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ إِبْلَاغُهُ إِلَى أَرْبَابِهِ وَمُسْتَحِقِّيهِ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَالدِّينِ وَالْعِلْمِ وَالْعُهُودِ وَالْجِوَارِ وَالنَّصِيحَةِ وَنَحْوِهَا، وَضِدُّهَا الْخِيَانَةُ فِي الْإِطْلَاقَيْنِ.

وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.

وَالْأَمَانَاتُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَلِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِيمَنِ ائْتَمَنَهُ رَجُلٌ عَلَى شَيْءٍ

وَكَانَ لِلْأَمِينِ حَقٌّ عِنْدَ الْمُؤْتَمَنِ جَحَدَهُ إِيَّاهُ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَمَانَةِ عِوَضَ حَقِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَانَةٌ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْحَدَهُ بِمِقْدَارِ مَا عَلَيْهِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الطَّبَرَيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَمَكْحُولٍ: أَنَّ الْمُخَاطَبَ وُلَاةُ الْأُمُورِ، أَمَرَهُمْ أَنْ يُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا.

وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ.

وَأَهْلُ الْأَمَانَةِ هُمْ مُسْتَحِقُّوهَا، يُقَالُ: أَهْلُ الدَّارِ، أَيْ أَصْحَابُهَا. وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِذْ سَلَّمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ابْن أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ الْحَجَبِيُّ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ سِدَانَةُ الْكَعْبَةِ بِيَدِهِ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَكَانَتِ السِّدَانَةُ فِيهِمْ، فَسَأَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبَدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ سِدَانَةَ الْكَعْبَةِ يَضُمُّهَا مَعَ السِّقَايَةِ وَكَانَتِ السِّقَايَةُ بِيَدِهِ، وَهِيَ فِي بَنِي هَاشِمٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ وَابْنَ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَدَفَعَ لَهُمَا مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَمَا كُنْتُ سَمِعْتُهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ،

وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ «خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْتَزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ»

، وَلَمْ يَكُنْ أَخْذُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ