للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى النَّفْيِ، وَهَذِهِ الْكَلَامُ مَعَهَا نَفْيٌ، فَهِيَ تَأْكِيدٌ لَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِصَاحِبِ «الْكَشَّافِ» ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَوَاقِعُ الْحَرْفِ الْوَاحِدِ مُتَّحِدَةً فِي الْمَوَاقِعِ الْمُتَقَارِبَةِ.

وَقَدْ نُفِيَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ كَمَا يَزْعُمُونَ فِي حَالٍ يَظُنُّهُمُ النَّاسُ مُؤْمِنِينَ، وَلَا يَشْعُرُ النَّاسُ بِكُفْرِهِمْ، فَلِذَلِكَ احْتَاجَ الْخَبَرُ لِلتَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ وَبِالتَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، لِأَنَّهُ كَشْفٌ لِبَاطِنِ حَالِهِمْ. وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ هُوَ: الْغَايَةُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بِثُمَّ، مَعًا، فَإِنْ هُمْ حَكَّمُوا غَيْرَ الرَّسُولِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، أَيْ إِذَا كَانَ انْصِرَافُهُمْ عَنْ تَحْكِيمِ الرَّسُولِ لِلْخَشْيَةِ مِنْ جَوْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ السِّيَاقِ فَافْتَضَحَ كُفْرَهُمْ، وَأَعْلَمَ اللَّهُ الْأُمَّةَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ حَتَّى يُحَكِّمُوا الرَّسُولَ وَلَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِنْ حُكْمِهِ، أَيْ حَرَجًا يَصْرِفُهُمْ عَنْ تَحْكِيمِهِ، أَوْ يُسْخِطُهُمْ مَنْ حُكْمِهِ بَعْدَ تَحْكِيمِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَنْصَرِفُونَ عَنْ تَحْكِيمِ الرَّسُولِ وَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِنْ قَضَائِهِ بِحُكْمِ قِيَاسِ الْأَحْرَى.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَرَجَ الَّذِي يَجِدُهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ مَا يُلْزَمُ بِهِ إِذَا لَمْ يُخَامِرْهُ شَكٌّ فِي عَدْلِ الرَّسُولِ وَفِي إِصَابَتِهِ وَجْهَ الْحَقِّ. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النُّورِ كَيْفَ يَكُونُ الْإِعْرَاضُ عَنْ حُكْمِ الرَّسُولِ كُفْرًا، سَوَاءً كَانَ مِنْ مُنَافِقٍ أَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ، إِذْ قَالَ فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ «وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا الله مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ- ثُمَّ قَالَ- إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» ، لِأَنَّ حُكْمَ الرَّسُولِ بِمَا شَرَعَ اللَّهُ مِنَ الْأَحْكَامِ لَا يَحْتَمِلُ الْحَيْفَ إِذْ لَا يُشَرِّعُ اللَّهُ إِلَّا الْحَقَّ، وَلَا يُخَالِفُ الرَّسُولُ فِي حُكْمِهِ شَرْعَ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِهَذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً بِحُكْمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا الْإِعْرَاضُ عَنْ حُكْمِ غَيْرِ الرَّسُولِ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ إِذَا جَوَّزَ

الْمُعْرِضُ عَلَى الْحَاكِمِ عَدَمَ إِصَابَتِهِ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَدَمَ الْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ. وَقَدْ كَرِهَ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ حُكْمَ أَبِي بَكْرٍ وَحُكْمَ عُمَرَ فِي قَضِيَّةِ مَا تَرَكَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ فَدَكَ، لِأَنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ اجْتِهَادَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ. وَقد قَالَ عَيْنِيَّة بْنُ حِصْنٍ لِعُمَرَ: «إِنَّكَ لَا تَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا تَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ» فَلَمْ يُعَدُّ طَعْنُهُ فِي حُكْمِ عُمَرَ كُفْرًا