للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَكَوْنِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ الَّذِي قَدَّرَ ذَلِكَ وَهَيَّأَ أَسْبَابَهُ، إِذْ لَا يَدْفَعُهُمْ إِلَى الْحَسَنَاتِ مُبَاشَرَةً. وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَمَا أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ عِنْدِهِ، فَكَذَلِكَ السَّيِّئَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا أَرَادَهُ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِسَاءَةِ، وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ عَقْلٍ غَيْرِ مُنْضَبِطِ التَّفْكِيرِ، لأنّهم جعلُوا بعض الْحَوَادِثَ مِنَ اللَّهِ وَبَعْضَهَا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ فَلذَلِك قَالَ: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أَيْ يَكَادُونَ أَنْ لَا يَفْقَهُوا حَدِيثًا، أَيْ أَنْ لَا يَفْقَهُوا كَلَامَ مَنْ يُكَلِّمُهُمْ، وَهَذَا مَدْلُولُ فِعْلِ (كَادَ) إِذَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [الْبَقَرَة: ٧١] .

وَالْإِصَابَةُ: حُصُولُ حَالٍ أَوْ ذَاتٍ، فِي ذَاتٍ يُقَالُ: أَصَابَهُ مَرَضٌ، وَأَصَابَتْهُ نِعْمَةٌ، وَأَصَابَهُ سهم، وَهِي، مشقّة مِنَ اسْمِ الصَّوْبِ الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَا يَتَصَرَّفُ مِنَ الْإِصَابَةِ مشعرا بِحُصُول مفاجىء أَوْ قَاهِرٍ.

وَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِمَا يُجِيبُ بِهِ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ عَلَّمَهُ حَقِيقَةَ التَّفْصِيلِ فِي إِصَابَةِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ مِنْ جِهَةِ تَمَحُّضِ النِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوِ اخْتِلَاطِهَا بِالِانْتِسَابِ إِلَى الْعَبْدِ، فَقَالَ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ. وَوُجِّهَ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لِإِبْطَالِ مَا نَسَبَهُ الضَّالُّونَ إِلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مَصْدَرَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تُصِيبُهُمْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْحَوَادِثِ كُلِّهَا مُؤَثِّرًا. وَسَبَبًا مُقَارنًا، وأدلّة تنبىء عَنْهَا وَعَنْ عَوَاقِبِهَا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا تَخْلُو عَنْهَا الْحَوَادِثُ كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ غَيْرَ اخْتِيَارِيَّةٍ، أَمِ اخْتِيَارِيَّةً كَأَفْعَالِ الْعِبَادِ. فَاللَّهُ قَدَّرَ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ بِعِلْمِهِ وَقَدَرِهِ وَخَلَقَ مُؤَثِّرَاتِهَا وَأَسْبَابَهَا، فَهَذَا الْجُزْءُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

وَاللَّهُ أَقَامَ بِالْأَلْطَافِ الْمَوْجُودَاتِ، فَأَوْجَدَهَا وَيَسَّرَ لَهَا أَسْبَابَ الْبَقَاءِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا أَوْدَعَ فِيهَا مِنَ الْعُقُولِ وَالْإِلْهَامَاتِ، وَحَفَّهَا كُلَّهَا فِي سَائِرِ أَحْوَالِهَا بِأَلْطَافٍ كَثِيرَةٍ، لَوْلَاهَا لَمَا بَقِيَتِ الْأَنْوَاعُ، وَسَاقَ إِلَيْهَا أُصُولَ الْمُلَاءَمَةِ، وَدَفَعَ عَنْهَا أَسْبَابَ الْآلَامِ فِي الْغَالِبِ، فَاللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ. فَهَذَا الْجُزْءُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ