للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَوْمُ الدِّينِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَمَبْدَأُ الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَالدِّينُ فِيهِ بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، قَالَ الْفِنْدُ الزِّمَّانِيِّ (١) :

فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ ... فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيَانُ

وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَا ... نُ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

أَيْ جَازَيْنَاهُمْ عَلَى صُنْعِهِمْ كَمَا صَنَعُوا مُشَاكَلَةً، أَوْ كَمَا جَازَوْا مِنْ قَبْلُ إِذَا كَانَ اعْتِدَاؤُهُمْ نَاشِئًا عَنْ ثَأْرٍ أَيْضًا، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُتَعَيَّنُ هُنَا وَإِنْ كَانَ لِلدِّينِ إِطْلَاقَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَهُ تَعَالَى بِمَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ تَكْمِلَةٌ لِإِجْرَاءِ مَجَامِعِ صِفَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ عَلَى اسْمِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ وُصِفَ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَذَلِكَ مَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ الْحَقَّةِ إِذْ يَفُوقُ مَا كَانُوا يَنْعَتُونَ بِهِ آلِهَتَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ إِلَهُ بَنِي فُلَانٍ فَقَدْ كَانَتِ الْأُمَمُ تَتَّخِذُ آلِهَةً خَاصَّةً لَهَا كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْ بَعْضِهِمْ: فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى [طه: ٨٨] وَقَالَ: قالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [الْأَعْرَاف: ١٣٨] وَكَانَتْ لِبَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ آلِهَةٌ خَاصَّةٌ، فَقَدْ عَبَدَتْ ثَقِيفٌ اللَّاتَ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَوَقَرَتْ ثَقِيفٌ إِلَى لَاتِهَا (٢)

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي «الْمُوَطَّأِ» : «كَانَ الْأَنْصَارُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ» الْحَدِيثَ (٣) .

فَوَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ، ثُمَّ عقب بوصفي الرَّحْمَن الرَّحِيمِ لِإِفَادَةِ عِظَمُُِ


(١) الفند لقبه، وأصل الفند بِكَسْر الْفَاء الْجَبَل، واسْمه شهل بن شَيبَان بشين مُعْجمَة وَلَيْسَ فِي أَسمَاء الْعَرَب شهل بالشين الْمُعْجَمَة غَيره، وَهُوَ من شعراء حَرْب البسوس، وَإِنَّمَا لقب الفند لِأَنَّهُ لما جَاءَ لينصر بني بكر بن وَائِل قَالُوا مَا يُغني عَنَّا هَذَا الْهم- بِكَسْر الْهَاء- أَي الشَّيْخ، فَقَالَ لَهُم أما ترْضونَ أَن أكون لكم فندا تأوون إِلَيْهِ؟ أَي معقلا ومرجعا فِي الرَّأْي وَالْحَرب. والزماني- بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم- نِسْبَة لقبيلة هم أَبنَاء عَم بني حنيفَة.
(٢) تَمَامه:
بمنقلب الخائب الخاسر

كَذَا فِي «تَارِيخ الْعَرَب» فِي بَاب أَدْيَان الْعَرَب من كتَابنَا «تَارِيخ الْعَرَب قبل الْإِسْلَام» مخطوط.
(٣) فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَاللَّفْظ للْبُخَارِيّ (وَمَنَاة) اسْم صنم يعبده الْمُشْركُونَ من الْعَرَب وَهُوَ صَخْرَة كَانُوا يذبحون عِنْدهَا. والمشلل- بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَلَام مُشَدّدَة مَفْتُوحَة وَلَام أُخْرَى- اسْم ثنية مشرفة على قديد بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.