للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَلَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ فَمَعْنَى الْآيَةِ خَفِيٌّ، إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ إِثْبَاتَ حَالَةٍ وَسَطٍ لِلْمُنَافِقِينَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، لِأَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ مَعْنَاهُ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ، أَيْ لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا مِنَ الْكَافِرِينَ. وَهُمْ فِي التَّحْقِيقِ.، إِلَى الْكَافِرِينَ. كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ.

كَقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: ١٣٩] وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النِّسَاء: ١٤١] . فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَضَاعُوا الْإِيمَانَ وَالِانْتِمَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَضَاعُوا الْكُفْرَ بِمُفَارَقَةِ نُصْرَةِ أَهْلِهِ، أَيْ كَانُوا بِحَالَةِ اضْطِرَابٍ وَهُوَ مَعْنَى التَّذَبْذُبِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَحْقِيرُهُمْ وَتَنْفِيرُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ صُحْبَتِهِمْ لِيَنْبِذَهُمُ الْفَرِيقَانِ.

وَقَوْلُهُ: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا الْخِطَابُ لِغَيْرِ معّين، وَالْمعْنَى: لم تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا إِلَى الْهُدَى بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ.

[١٤٤]

[سُورَة النِّسَاء (٤) : آيَة ١٤٤]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤)

أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ دَخَائِلَهُمْ وَاسْتِصْنَاعَهُمْ لِلْمُنَافِقِينَ لِقَصْدِ أَذَى الْمُسْلِمِينَ، فَعَلِمَ السَّامِعُ أَنَّهُ لَوْلَا عَدَاوَةُ الْكَافِرِينَ لِهَذَا الدِّينِ لَمَا كَانَ النِّفَاقُ، وَمَا كَانَتْ تَصَارِيفُ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهِيَ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، لِأَنَّهَا تَوْجِيهُ خِطَابٍ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الْإِخْبَارِ

عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِطَرِيقِ الْغَيْبَةِ. وَهَذِهِ آيَةٌ جَامِعَةٌ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ. فَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ، وَمن الْوُقُوع فِي النِّفَاق، لإن الْمُنَافِقين تظاهروا بِالْإِيمَان ووالوا الْكَافِرِينَ تَحْذِيرٌ مِنَ الِاسْتِشْعَارِ بِشِعَارِ النِّفَاقِ، وَتَحْذِيرٌ مِنْ مُوَالَاةِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلِيَاءُ الْكَافِرِينَ، وَتَشْهِيرٌ بِنِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ، وَتَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُولُوا: كُنَّا نَجْهَلُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مُوَالَاةَ الْكَافِرِينَ.