للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النِّسَاء: ٥١] الْآيَاتِ.

وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِ كَثِيراً حَالًا مِنْهُ.

وَأَخْذُهُمُ الرِّبَا الَّذِي نُهُوا عَنْهُ هُوَ أَنْ يَأْخُذُوهُ مَنْ قَوْمِهِمْ خَاصَّةً وَيَسُوغُ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ

غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ كَمَا فِي الْإِصْحَاحِ ٢٣ مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ «لَا تُقْرِضْ أَخَاكَ بربا رَبًّا قضّة أَوْ رِبَا طَعَامٍ أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا. لِلْأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا» . وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ فِي الْإِصْحَاحِ ٢٢ «إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي الْفَقِيرِ الَّذِي عِنْدَكَ فَلَا تَكُنْ لَهُ كَالْمُرَابِي لَا تَضَعُوا عَلَيْهِ رِبًا» وَأَكْلُهُمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَعَمُّ مِنَ الرِّبَا فَيَشْمَلُ الرَّشْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ عِنْدَهُمْ، وَأَخْذَهُمُ الْفِدَاءَ عَلَى الْأَسْرَى مِنْ قَوْمِهِمْ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.

وَالِاسْتِدْرَاكُ بِقَوْلِهِ: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ إِلَخ ناشيء عَلَى مَا يُوهِمُهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ ابْتِدَاءً من قَوْله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ [النِّسَاء: ١٥٣] مِنْ تَوَغُّلِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ حَتَّى لَا يُرْجَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ، فَاسْتُدْرِكَ بِأَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ لَيْسُوا كَمَا تُوُهِّمَ، فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ.

وَالرَّاسِخُ حَقِيقَتُهُ الثَّابِتُ الْقَدَمِ فِي الْمَشْيِ، لَا يَتَزَلْزَلُ وَاسْتُعِيرَ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْوَصْفِ مِثْلُ الْعِلْمِ بِحَيْثُ لَا تَغُرُّهُ الشَّبَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٧] . وَالرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ بَعِيدٌ عَنِ التَّكَلُّفِ وَعَنِ التَّعَنُّتِ، فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ حَاجِبٌ، فَهُمْ يَعْرِفُونَ دَلَائِلَ صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَسْأَلُونَهُمْ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ.

وَعَطْفُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى الرَّاسِخُونَ ثَنَاءٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ الْآيَاتِ الْخَوَارِقَ لِلْعَادَةِ. فَلِذَلِكَ قَالَ يُؤْمِنُونَ، أَيْ جَمِيعُهُمْ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، أَيِ الْقُرْآنِ، وَكَفَاهُمْ بِهِ آيَةً، وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ عَلَى الرُّسُلِ، وَلَا يُعَادُونَ رُسُلَ اللَّهِ تَعَصُّبًا وَحَمِيَّةً.