للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي مَعْنَى الرَّسُولِ وَالنَّبِيءِ. فَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَائِنَا لَا نَجِدُ تَفْرِقَةً، وَأَنَّ كُلَّ نَبِيءٍ فَهُوَ رَسُولٌ لِأَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِمَا لَا يَخْلُو مِنْ تَبْلِيغِهِ وَلَوْ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ. وَقَدْ يَكُونُ حَالُ الرَّسُول مُبْتَدأ بنبؤة ثُمَّ يَعْقُبُهَا إرْسَاله، فَتلك النُّبُوَّة تمهيد الرسَالَة كَمَا كَانَ أَمْرُ مَبْدَأِ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ خَدِيجَةَ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشُّعَرَاء: ٢١٤] . وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ الرَّسُولَ أَخَصُّ، وَهُوَ مَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ مَعَ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ، وَالنَّبِيءُ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّبْلِيغِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَلِّغُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالدُّعَاءِ لِلْخَيْرِ، يَعْنِي بِدُونِ إِنْذَارٍ وَتَبْشِيرٍ.

وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: الْأَنْبِيَاءُ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَعَدُّ الرُّسُلِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَسُولًا

. وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ نُوحًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوَّلُ الرُّسُلِ. وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الدِّينَ كَانَ مَعْرُوفًا فِي زَمَنِ آدَمَ وَأَنَّ الْجَزَاءَ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمْ، فَقَدْ قَرَّبَ ابْنَا آدَمَ قُرْبَانًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الْمَائِدَة: ٢٧] ، وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ [الْمَائِدَة: ٢٨، ٢٩] . وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ بَيْنَهُمْ مَنْ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الْمُعْتَدِي وَيَنْتَصِفُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، فَإِنَّمَا كَانَ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ طَرِيقَةِ الْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ وَكَانَتْ رِسَالَةً عَائِلِيَّةً.

وَنُوحٌ هُوَ أَوَّلُ الرُّسُلِ، وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَامَكَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَمَكُ بْنُ مُتُوشَالِحَ بْنِ أَخْنُوخَ. وَيُسَمِّيهِ الْمِصْرِيُّونَ هُرْمُسَ، وَيُسَمِّيهِ الْعَرَبُ إِدْرِيسُ بْنُ يَارِدَ بْنِ مَهْلَلْئِيلَ بْنِ قِينَانَ بْنِ أَنْوَشَ بْنِ شِيثَ بْنِ آدَمَ، حَسَبَ- قَوْلِ التَّوْرَاةِ-. وَفِي زَمَنِهِ وَقَعَ الطُّوفَانُ الْعَظِيمُ. وَعَاشَ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَالْقُرْآنُ أَثْبَتَ ذَلِكَ. وَقَدْ مَاتَ نُوحٌ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثَةِ آلَافِ سَنَةٍ وَتِسْعمِائَة سنة وَأَرْبع وَسَبْعِينَ سَنَةً عَلَى حَسَبِ حِسَابِ الْيَهُودِ الْمُسْتَمَدِّ مِنْ كِتَابِهِمْ.

وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ الْخَلِيلُ، إِبْرَاهِيمُ بْنُ تَارِحَ- وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ آزَرَ- بْنَ نَاحُورَ بْنِ ساروغ بن أرغو بْنِ فَالِغَ بْنِ عَابِرَ بْنِ شَالِحَ بْنِ قِينَانَ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ. وُلِدَ سَنَةَ ٢٨٩٣ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فِي بَلَدِ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَمَاتَ فِي بِلَادِ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَهِيَ سُورِيَا، فِي حَبْرُونَ حَيْثُ مَدْفَنُهُ الْآنَ الْمَعْرُوفُ بِبَلَدِ الْخَلِيلِ سَنَةَ ٢٧١٨ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.