للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَنْ صَدُّوكُمْ- بِفَتْحِ هَمْزَةِ (أَنْ) -. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَيَعْقُوبُ:- بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ- عَلَى أَنَّهَا (إِنْ) الشَّرْطِيَّةُ، فَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَ الشَّرْطِ.

وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ اسْمٌ جُعِلَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْمَكَانِ الْمُحِيطِ بِالْكَعْبَةِ الْمَحْصُورِ ذِي الْأَبْوَابِ، وَهُوَ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى بِذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانَ السُّجُودِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ سُجُودٌ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٤] ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الْإِسْرَاء: ١] .

وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ. وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَفْصُولَةً، وَلَكِنَّهَا عُطِفَتْ: تَرْجِيحًا لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ التَّشْرِيعِ عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ مِنَ التَّعْلِيلِ، يَعْنِي: أَنَّ وَاجِبَكُمْ أَنْ تَتَعَاوَنُوا بَيْنَكُمْ عَلَى فِعْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإِذَا كَانَ هَذَا وَاجِبُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَانَ الشَّأْنُ أَنْ يُعِينُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لِأَنَّ التَّعَاوُنَ عَلَيْهَا يُكْسِبُ مَحَبَّةَ تَحْصِيلِهَا، فَيَصِيرُ تَحْصِيلُهَا رَغْبَةً لَهُمْ، فَلَا جَرَمَ أَنْ يُعِينُوا عَلَيْهَا كُلَّ سَاعٍ إِلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ عَدُوًّا، وَالْحَجُّ بِرٌّ فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَعَلَى التَّقْوَى، فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا يُعَاوَنُونَ عَلَى مَا هُوَ بِرٌّ: لِأَنَّ الْبِرَّ يَهْدِي لِلتَّقْوَى، فَلَعَلَّ تَكَرُّرَ فِعْلِهِ يُقَرِّبُهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ. وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْعَدُوِّ إِنَّمَا يَكُونُ بِتَعَاوُنِهِمْ عَلَيْهِ نُبِّهُوا عَلَى أَنَّ التَّعَاوُنَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَدًّا عَنِ الْمَسْجِدِ

الْحَرَامِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ آنِفًا فَالضَّمِيرُ وَالْمُفَاعَلَةُ فِي تَعاوَنُوا لِلْمُسْلِمِينَ،