للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٧٥٣ -

وَذكر الْمحل الَّذِي أفسدوا مَا يحتوى عَلَيْهِ وَهُوَ الأَرْض لتفظيع فسادهم بِأَنَّهُ مبثوث فِي هَذِه الأَرْض لِأَن وُقُوعه فِي رقْعَة مِنْهَا تَشْوِيه لمجموعها. وَالْمرَاد بِالْأَرْضِ هَذِه الكرة الأرضية بِمَا تحتوى عَلَيْهِ من الْأَشْيَاء الْقَابِلَة للإفساد من النَّاس وَالْحَيَوَان والنبات وَسَائِر الأنظمة والنواميس الَّتِي وَضعهَا الله تَعَالَى لَهَا. وَمن التحقيقات اللُّغَوِيَّة عميقة الدّلَالَة كَلَامه عَن "كَذَلِك" فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} .

وَكَلَامه عَن "لَعَلَّ" وانفراده بقول مُسْتَقل فِيهَا حَيْثُ يَقُول:

وَعِنْدِي وَجه آخر مُسْتَقل وَهُوَ أَن "لَعَلَّ" الْوَاقِعَة فِي مقَام تَعْلِيل أَمر أَو نهى لَهَا اسْتِعْمَال يغاير اسْتِعْمَال "لَعَلَّ" المستأنفة فِي الْكَلَام سَوَاء وَقعت فِي كَلَام الله أم فِي غَيره، فَإِذا قلت: افْتقدَ فلَانا لَعَلَّك تنصحه، كَانَ إِخْبَارًا باقتراب وُقُوع الشَّيْء وَأَنه فِي حيّز الْإِمْكَان إِن تمّ مَا علق عَلَيْهِ، فَأَما اقتضاؤه عدم جزم الْمُتَكَلّم بالحصول فَذَلِك معنى التزامي أَعلَى قد يعلم انتفاؤه بِالْقَرِينَةِ، وَذَلِكَ الانتفاء فِي كَلَام الله أوقع، فاعتقادنا بِأَن كل شَيْء لم يَقع أَو لَا يَقع فِي الْمُسْتَقْبل هُوَ الْقَرِينَة على تَعْطِيل هَذَا الْمَعْنى الالتزامي دون احْتِيَاج إِلَى التَّأْوِيل فِي معنى الرَّجَاء الَّذِي تفيده "لَعَلَّ" حَتَّى أَن يكون مجَازًا أَو اسْتِعَارَة لِأَن "لَعَلَّ" إِنَّمَا أُتِي بهَا لِأَن الْمقَام يَقْتَضِي معنى الرَّجَاء فالتزام تَأْوِيل الدّلَالَة فِي كل مَوضِع فِي الْقُرْآن تَعْطِيل لِمَعْنى الرَّجَاء الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمقَام وَالْجَمَاعَة لجئوا إِلَى التَّأْوِيل لأَنهم نظرُوا إِلَى "لَعَلَّ" بِنَظَر مُتحد فِي مواقع اسْتِعْمَالهَا بِخِلَاف "لَعَلَّ" المستأنفة فَإِنَّهَا أقرب إِلَى إنْشَاء الرَّجَاء من إِلَى إِخْبَار بِهِ، وعَلى كل فَمَعْنَى "لَعَلَّ" غير معنى أَفعَال المقاربة.

وَقد أَطَالَ فِي معنى الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى {أولو كَانَ آباؤهم} كَمَا توسع فِي اسْم الْإِشَارَة: ذَلِك فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {ذَلِك الْكتاب} وَمن إطنابه فِي مسَائِل الْبَيَان بِمَا يخرج أَيْضا عَن