للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَعْنَى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إِذَا عَزَمْتُمْ عَلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الْقِيَامَ يُطْلَقُ فِي كَلَامِ

الْعَرَبِ بِمَعْنَى الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ ... وَقَالَ أَلَا لَا مِنْ سَبِيلٍ إِلَى هِنْدٍ

وَعَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ، قَالَ النَّابِغَةُ:

قَامُوا فَقَالُوا حِمَانَا غَيْرُ مَقْرُوبٍ أَيْ عَزَمُوا رَأْيَهُمْ فَقَالُوا. وَالْقِيَامُ هُنَا كَذَلِكَ بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِ (إِلَى) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى عَمَدْتُمْ إِلَى أَنْ تُصَلُّوا.

وَرَوَى مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ فَسَّرَ الْقِيَامَ بِمَعْنَى الْهُبُوبِ مِنَ النَّوْمِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ السُّدِّيِّ. فَهَذِهِ وُجُوهُ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْقِيَامِ فِي هَذِهِ الْآيَة، وكلّها تؤول إِلَى أَنَّ إِيجَابَ الطِّهَارَةِ لِأَجْلِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى تَأْوِيلِ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الْآيَةَ فَظَاهِرُ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ مَا أُمِرَ بِغَسْلِهِ شُرِطَ بِ إِذا قُمْتُمْ فَاقْتَضَى طَلَبَ غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ عِنْدَ كُلِّ قِيَامٍ إِلَى الصَّلَاةِ. وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ. وَقَدْ وَقَفَ عِنْدَ هَذَا الظَّاهِرِ قَلِيلٌ مِنَ السَّلَفِ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعِكْرِمَةَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَنَسَبَهُ الطبرسي إِلَى دَاوُود الظَّاهِرِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ فِي «الْمُحَلَّى» وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الطَّبَرَسِيِّ. وَقَالَ بُرَيْدَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ: كَانَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ عَامَ الْفَتْحِ بِفِعْلِ النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَصَلَّى فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا حُكْمٌ خاصّ بالنّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذَا قَوْلٌ عَجِيبٌ إِنْ أَرَادَ بِهِ صَاحِبُهُ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَيْهِ، كَيْفَ وَهِيَ مُصَدَّرَةٌ بِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى مَعْنَى «إِذَا قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ» وَلَعَلَّهُمُ اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إِلَى آيَةِ النِّسَاءِ [٤٣] الْمُصَدَّرَةِ بِقَوْلِهِ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى - إِلَى قَوْلِهِ- وَلا جُنُباً الْآيَةَ. وَحَمَلُوا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْوضُوء لكلّ صَلَاة على أنّه كَانَ فرضا على النّبيء صلى