للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، أَيْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا إِشْكَالَ فِي تَجَسُّمِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمِلَّتَيْنِ.

وَقَوْلُهُ: وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ تَهْدِيدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْبَاءِ إِنْبَاءُ الْمُؤَاخَذَةِ بِصَنِيعِهِمْ، كَقَوْلِهِ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الْأَنْعَام: ١٣٥] . وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْصُلَ فِي الْآخِرَةِ فَالْإِنْبَاءُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْصُلَ فِي الدُّنْيَا، فَالْإِنْبَاءُ مَجَازٌ فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ لَهُمْ حَوَادِثَ يَعْرِفُونَ بِهَا سوء صنيعتهم.

[١٥، ١٦]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ١٥ إِلَى ١٦]

يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)

بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مِنْ أَحْوَالِ فَرِيقَيْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنْبَائِهِمْ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ عُلَمَائِهِمْ وَمَا لَا يَسْتَطِيعُونَ إِنْكَارَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ بِالْمَوْعِظَةِ إِذْ قَدْ تَهَيَّأَ مِنْ ظُهُورِ صدق الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُسَهِّلُ إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ ابْتُدِئَ وَصْفُ الرَّسُولِ بِأَنَّهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِأَنَّهُ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ.

وَمَعْنَى يَعْفُوَ يُعْرِضُ وَلَا يُظْهِرُ، وَهُوَ أَصْلُ مَادَّةِ الْعَفْوِ. يُقَالُ: عَفَا الرَّسْمُ، بِمَعْنَى لَمْ يَظْهَرْ، وَعَفَّاهُ: أَزَالَ ظُهُورَهُ. ثُمَّ قَالُوا: عَفَا عَنِ الذَّنْبِ، بِمَعْنَى أَعْرَضَ، ثُمَّ قَالُوا: عَفَا عَنِ الْمُذْنِبِ، بِمَعْنَى سَتَرَ عَنْهُ ذَنْبَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ هُنَا مَعْنَى الصَّفْحِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَيْ وَيَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ، أَيْ يُبَيِّنُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَيَعْفُو عَنْ جَهْلِكُمْ.