للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا عَسَى أَنْ يُحْزِنَهُ مِنْ طَيْشِ الْيَهُودِ وَاسْتِخْفَافِهِمْ وَنِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ. وَافْتَتَحَ الْخِطَابَ بِأَشْرَفِ الصِّفَاتِ وَهِيَ صِفَةُ الرِّسَالَةِ

عَنِ اللَّهِ.

وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ حَدَثَ أَثْنَاءَ مُدَّةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فَعُقِّبَتِ الْآيَاتُ النَّازِلَةُ قَبْلَهَا بِهَا. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ هُوَ مَا

رَوَاهُ أَبُو دَاوُود، وَالْوَاحِدِيُّ فِي «أَسْبَابِ النُّزُولِ» ، وَالطَّبَرِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» مَا مُحَصِّلُهُ: أَنَّ الْيَهُودَ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الزَّانِي (حِينَ زَنَى فِيهِمْ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ أَوْ أَهْلِ فَدَكَ) ، بَيْنَ أَنْ يُرْجَمَ وَبَيْنَ أَنْ يُجْلَدَ وَيُحَمَّمَ (١) اخْتِلَافًا أَلْجَأَهُمْ إِلَى أَنْ أَرْسَلُوا إِلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنْ حَكَمَ بِالتَّحْمِيمِ قَبِلْنَا حُكْمَهُ وَإِنْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ فَلَا تَقْبَلُوهُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَحْبَارِهِمْ بِالْمَدِينَةِ: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ» ، قَالُوا: يُحَمَّمُ وَيُجْلَدُ وَيُطَافُ بِهِ، وأنّ النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَّبَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ حُكْمَ التَّوْرَاةِ هُوَ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ، فَأَنْكَرُوا، فَأَمَرَ بِالتَّوْرَاةِ أَنْ تُنْشَرَ (أَيْ تُفْتَحَ طَيَّاتُهَا وَكَانُوا يَلُفُّونَهَا عَلَى عود بشكل اصطواني) وَجعل بَعضهم يَقْرَأها وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ (أَيْ يَقْرَؤُهَا لِلَّذِينَ يَفْهَمُونَهَا) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا تَحْتَهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَأَكُونَنَّ أوّل من أحيى حُكْمَ التَّوْرَاةِ» . فَحَكَمَ بِأَنْ يُرْجَمَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ

. وَفِي رِوَايَات أبي دَاوُود أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ نَزَلَ فِي شَأْنِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَى الْوَاحِدِيُّ وَالطَّبَرِيُّ.

وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى سَبَبِ الْإِشَارَةِ إِلَى ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ. وَلَعَلَّ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ يُبْطِنُونَ الْيَهُودِيَّةَ كَانُوا مُشَارِكِينَ لِلْيَهُودِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، أَوْ


(١) معنى يحمّم: يلطّخ وَجهه بالسّواد تمثيلا بِهِ.