للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَوَاهُمْ عَصَوْهُ، أَيْ هُمْ أَتْبَاعٌ لِقَوْمٍ مُتَسَتِّرِينَ هُمُ الْقَوْمُ الْآخَرُونَ، وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ وَأَهْلُ فَدَكَ الَّذِينَ بَعَثُوا بِالْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْهُم النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَاللَّامُ فِي لِقَوْمٍ لِلتَّقْوِيَةِ لِضَعْفِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمَفْعُولِ.

وَجُمْلَةُ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ صفة ثَانِيَة لِقَوْمٍ آخَرِينَ أَوْ حَالٌ، وَلَك أَنْ تَجْعَلَهَا حَالًا مِنَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤٦] ، وَأَنَّ التَّحْرِيفَ الْمَيْلُ إِلَى حَرْفٍ، أَيْ جَانِبٍ، أَيْ نَقْلُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى طَرَفٍ آخَرَ.

وَقَالَ هُنَا مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، وَفِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤٦] عَنْ مَواضِعِهِ، لِأَنَّ آيَةَ سُورَةِ النِّسَاءِ فِي وَصْفِ الْيَهُودِ كُلِّهِمْ وَتَحْرِيفِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ. فَهُوَ تَغْيِيرُ كَلَامِ التَّوْرَاةِ بِكَلَامٍ آخَرَ عَنْ جَهْلٍ أَوْ قَصْدٍ أَوْ خَطَأٍ فِي تَأْوِيلِ مَعَانِي التَّوْرَاةِ أَوْ فِي أَلْفَاظِهَا. فَكَانَ إِبْعَادًا لِلْكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، أَيْ إِزَالَةً لِلْكَلَامِ الْأَصْلِيِّ سَوَاءٌ عُوِّضَ بِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُعَوَّضْ. وَأَمَّا هَاتِهِ الْآيَةُ فَفِي ذِكْرِ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَبْطَلُوا الْعَمَلَ بِكَلَامٍ ثَابِتٍ فِي التَّوْرَاةِ إِذْ أَلْغَوْا حُكْمَ الرَّجْمِ الثَّابِتَ فِيهَا دُونَ تَعْوِيضِهِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ، فَهَذَا أَشَدُّ جُرْأَةً مِنَ التَّحْرِيفِ الْآخَرِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أَبْلَغَ فِي تَحْرِيفِ الْكَلَامِ، لِأَنَّ لَفْظَ (بَعْدَ) يَقْتَضِي أَنَّ مَوَاضِعَ الْكَلِمِ مُسْتَقِرَّةٌ وَأَنَّهُ أُبْطِلَ الْعَمَلُ بِهَا مَعَ بَقَائِهَا قَائِمَةً فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ.

وَالْإِشَارَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا إِلَى الْكَلِمِ الْمُحَرَّفِ. وَالْإِيتَاءُ هُنَا: الْإِفَادَةُ كَقَوْلِهِ: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [الْبَقَرَة: ٢٥١] .

وَالْأَخْذُ: الْقَبُولُ، أَيْ إِنْ أُجِبْتُمْ بِمِثْلِ مَا تَهْوَوْنَ فَاقْبَلُوهُ وَإِنْ لَمْ تُجَابُوهُ فَاحْذَرُوا قَبُولَهُ. وَإِنَّمَا قَالُوا: فَاحْذَرُوا، لِأَنَّهُ يَفْتَحُ عَلَيْهِمُ الطَّعْنَ فِي أَحْكَامِهِمُ الَّتِي مَضَوْا عَلَيْهَا وَفِي حُكَّامِهِمُ الْحَاكِمِينَ بِهَا.

وَإِرَادَةُ اللَّهِ فِتْنَةَ الْمَفْتُونِ قَضَاؤُهَا لَهُ فِي الْأَزَلِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ عَدَمُ