للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهُدَى عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فَالنُّورُ أَعَمُّ، وَالْعَطْفُ لِأَجْلِ تِلْكَ الْمُغَايَرَةِ بِالْعُمُومِ.

وَالْمُرَادُ بِالنَّبِيِّينَ فَيَجُوزُ أَنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِ. فَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ أَسْلَمُوا الَّذِينَ كَانَ شَرْعُهُمُ الْخَاصُّ بِهِمْ كَشَرْعِ الْإِسْلَامِ سَوَاءً، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَخْصُوصِينَ بِأَحْكَامٍ غَيْرِ أَحْكَامِ عُمُومِ أُمَّتِهِمْ بَلْ هِيَ مُمَاثِلَةٌ لِلْإِسْلَامِ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الْحَقُّ، إِذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا عَلَى أَكْمَلِ حَالٍ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَمْرَ مَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي شَرِيعَةٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَمَعَ ذَلِكَ مَا شَرِبَهَا الْأَنْبِيَاءُ قَطُّ، بَلْ حَرَّمَتْهَا التَّوْرَاةُ عَلَى كَاهِنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَا ظَنُّكَ بِالنَّبِيءِ. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ وَصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِبَنِيهِ بِقَوْلِهِ: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: ١٣٢] كَمَا تَقَدَّمَ هُنَالِكَ. وَقَدْ قَالَ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي دُعَائِهِ: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يُوسُف: ١٠١] . وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَفَضْلِهِ إِذْ كَانَ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بالنبيئين مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا لَهُ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ هادُوا لِلْأَجَلِ وَلَيْسَتْ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ يَحْكُمُ إِذِ الْحُكْمُ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ. وَالَّذِينَ هَادُوا هُمُ الْيَهُودُ، وَهُوَ اسْمٌ يُرَادِفُ مَعْنَى الْإِسْرَائِيلِيِّينَ، إِلَّا أَنَّ أَصْلَهُ يَخْتَصُّ بِبَنِي يَهُوذَا مِنْهُمْ، فَغَلَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٦٢] .

وَالرَّبَّانِيُّونَ جَمْعُ رَبَّانِيٍّ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمَنْسُوبُ إِلَى الرَّبِّ، أَيْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّبَّانِيُّ نَسَبًا لِلرَّبِّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كَمَا قَالُوا: شَعْرَانِيٌّ لِكَثِيرِ الشَّعْرِ، وَلِحْيَانِيٌّ لِعَظِيمِ اللِّحْيَةِ. وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ الْمُرَبِّي، وَهُوَ الّذي يبتدىء