للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْضًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَيْ أَنَّ بَعْضَ ذُنُوبِهِمْ كَافِيَةٌ فِي إِصَابَتِهِمْ وَأَنَّ تَوَلِّيَهُمْ عَنْ حُكْمِكَ أَمَارَةُ خِذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ.

وَقَدْ ذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ لِيَهُونَ عِنْدَهُ بَقَاؤُهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ إِذْ هُوَ شَنْشَنَةُ أَكْثَرِ النّاس، أَي وهولاء مِنْهُمْ فَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ كَونهم فاسقين.

[٥٠]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٥٠]

أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)

فَرَّعَتِ الْفَاءُ عَلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ [الْمَائِدَة: ٤٩] إِلَخِ اسْتِفْهَامًا عَنْ مُرَادِهِمْ مِنْ ذَلِكَ التَّوَلِّي، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ هُوَ مَا تَقَرَّرَ بَيْنَ الْيَهُودِ مِنْ تَكَايُلِ الدِّمَاءِ الَّذِي سَرَى إِلَيْهِمْ مِنْ أَحْكَامِ أَهْلِ يَثْرِبَ، وَهُمْ أَهْلُ جَاهِلِيَّةٍ، فَإِنَّ بَنِي النَّضِيرِ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّسَاوِي مَعَ قُرَيْظَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا وَضَعُوهُ مِنَ الْأَحْكَامِ بَيْنَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الْعُدُولُ عَنِ الرَّجْمِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ التَّوْرَاةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَبْغُونَ- بِيَاءِ الْغَائِبِ-، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ لِ مَنْ مَنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [الْمَائِدَة: ٤٧] . وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ- بِتَاءِ الْخِطَابِ- عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْيَهُودِ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ.

وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً وَاوُ الْحَالِ، وَهُوَ اعْتِرَاضٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ لَا أَحْسَنَ مِنْهُ حُكْمًا. وَهُوَ خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي خِطَابِ الْيَهُودِ بِهَذَا.

وَقَوْلُهُ: لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ اللَّامُ فِيهِ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِ حُكْماً إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَدْخُولِهَا الْمَحْكُومَ لَهُمْ، وَلَا هِيَ لَامُ التَّقْوِيَةِ لِأَنَّ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ لَيْسَ مَفْعُولًا لِ حُكْماً فِي الْمَعْنَى. فَهَذِهِ اللَّامُ تُسَمَّى لَامَ الْبَيَانِ وَلَامَ التَّبْيِينِ، وَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ خَبَرًا أَمْ إِنْشَاءً، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ: سَقْيًا لَكَ،