للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِأَهْلٍ لِوَلَايَةِ الْمُسْلِمِينَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَخْلَاقِ الدِّينِيَّةِ، وَلِإِضْمَارِهِمُ الْكَيْدَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَجُرِّدَ النَّهْيُ هُنَا عَنِ التَّعْلِيلِ وَالتَّوْجِيهِ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ.

وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا. وَسَبَبُ النَّهْيِ هُوَ مَا وَقَعَ مِنَ الْيَهُودِ، وَلَكِنْ لَمَّا أُرِيدَ النَّهْيُ لَمْ يُقْتَصَرْ عَلَيْهِمْ لِكَيْلَا يَحْسَبَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ مَأْذُونُونَ فِي مُوَالَاةِ النَّصَارَى، فَلِدَفْعِ ذَلِكَ عُطِفَ النَّصَارَى عَلَى الْيَهُودِ هُنَا، لِأَنَّ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ وَاحِدٌ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَالنُّفْرَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ رِسَالَة محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَالنَّصَارَى وَإِنْ لَمْ تَجِيءْ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ أَذَاةٌ مِثْلَ الْيَهُودِ فَيُوشِكُ أَنْ تَجِيءَ مِنْهُمْ إِذَا وُجِدَ دَاعِيهَا.

وَفِي هَذَا مَا يُنَبِّهُ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ هُنَا عَنْ مُوَالَاةِ النَّصَارَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا

سَيَأْتِي وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى [الْمَائِدَة: ٨٢] . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ قُرْبَهَا، وَقَدْ أَصْبَحَ الْمُسْلِمُونَ مُجَاوِرِينَ تُخُومَ بِلَادِ نَصَارَى الْعَرَبِ. وَعَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ يَوْمِ أُحُدٍ عَزَمَ أَنْ يُوَالِيَ يَهُودِيًّا، وَأَنَّ آخَرَ عَزَمَ أَن يوالي تصرانيا كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ ذِكْرُ النَّصَارَى غَيْرَ إِدْمَاجٍ.

وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أَيْ أَنَّهُمْ أَجْدَرُ بِوَلَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، أَيْ بِوَلَايَةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بَعْضَ أَهْلِ فَرِيقِهِ، لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ تَتَقَارَبُ أَفْرَادُهُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ فَيَسْهُلُ الْوِفَاقُ بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ أَوْلِيَاءُ النَّصَارَى. وَتَنْوِينُ بَعْضٍ تَنْوِينُ عِوَضٍ، أَيْ أَوْلِيَاءُ بَعْضِهِمْ. وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ مُوَالَاتِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ نَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ فَرِيقٍ مِنْهُمَا.

وَالْوَلَايَةُ هُنَا وَلَايَةُ الْمَوَدَّةِ وَالنُّصْرَةِ وَلَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالْمِيرَاثِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مَالِكٌ بِتَوْرِيثِ الْيَهُودِيِّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَالْعَكْسِ أَخْذًا

بقول النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ

. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِتَوْرِيثِ بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ بَعْضٍ وَرَأَيَا الْكُفْرَ مِلَّةً وَاحِدَةً أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُود.

وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ