للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي تَعْلِيقِ الْإِنْزَالِ بِأَنَّهُ مِنَ الرَّبِّ تَشْرِيفٌ لِلْمُنَزَّلِ.

وَالْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الرَّبِّ هُنَا دُونَ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِمَا فِي التَّذْكِيرِ بِأَنَّهُ رَبُّهُ مِنْ مَعْنَى كَرَامَتِهِ، وَمِنْ مَعْنَى أَدَاءِ مَا أَرَادَ إِبْلَاغَهُ، كَمَا يَنْبَغِي مِنَ التَّعْجِيلِ وَالْإِشَاعَةِ وَالْحَثِّ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ.

وَعَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَبْقَى شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ لَمْ يُبَلِّغْهُ. لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ لَمْ يُبَلِّغْهُ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَقَعْ تَبْلِيغُهُ، وَإِذْ قَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمْنَا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ مَقَاصِدِهَا أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ قَطْعَ تَخَرُّصِ مَنْ قَدْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ قَدِ اسْتَبْقَى شَيْئًا لَمْ يُبَلِّغْهُ، أَوْ أَنَّهُ قَدْ خَصَّ بَعْضَ النَّاسِ بِإِبْلَاغِ شَيْءٍ مِنَ الْوَحْيِ لَمْ يُبَلِّغْهُ لِلنَّاسِ عَامَّةً. فَهِيَ أَقْطَعُ آيَةٍ لِإِبْطَالِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي جَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَنَسَخَهُ عُثْمَانُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اخْتَصَّ بِكَثِيرٍ من الْقُرْآن عليّا بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَّهُ أَوْرَثَهُ أَبْنَاءَهُ وَأَنَّهُ يَبْلُغُ وِقْرَ بَعِيرٍ، وَأَنَّهُ الْيَوْمَ مُخْتَزَنٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ الَّذِي يُلَقِّبُهُ بَعْضُ الشِّيعَةِ بِالْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ وَبِالْوَصِيِّ.

وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَوْهَامِ أَلَمَّتْ بِأَنْفُسِ بَعْضِ الْمُتَشَيِّعِينَ إِلَى عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي مُدَّةِ

حَيَاتِهِ، فَدَعَا ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى سُؤَالِهِ عَنْ ذَلِكَ.

رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ أَبَا جُحَيْفَةَ سَأَلَ عَلِيًّا: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَمَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ، فَقَالَ: «لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» .

وَحَدِيثُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ الّذي سَنذكرُهُ ينبىء بِأَنَّ هَذَا الْهَاجِسَ قَدْ ظَهَرَ بَيْنَ الْعَامَّةِ فِي زَمَانِهَا. وَقَدْ يَخُصُّ الرَّسُولُ بَعْضَ النَّاسِ بِبَيَانِ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ إِلَيْهِ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إِلَى تَخْصِيصِهِ، كَمَا كَتَبَ إِلَى عَلِيٍّ بِبَيَانِ الْعَقْلِ، وَفِكَاكِ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ قَاضِيًا بِالْيَمَنِ، وَكَمَا كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ