للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ حُرْمَةِ إِصَابَةِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. فَالِابْتِلَاءُ مُسْتَقْبَلٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ النَّهْيِ وَالتَّحْذِيرِ.

وَوُجُودُ نُونِ التَّوْكِيدِ يُعَيِّنُ الْمُضَارِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ، فَالْمُسْتَقْبَلُ هُوَ الِابْتِلَاءُ. وَأَمَّا الصَّيْدُ وَنَوَالُ الْأَيْدِي وَالرِّمَاحِ فَهُوَ حَاضِرٌ.

وَالصَّيْدُ: الْمَصِيدُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الصَّيْدِ وَقَعَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ بِشَيْءٍ. وَيُغْنِي عَنِ الْكَلَامِ

فِيهِ وَفِي لفظ (شَيْء) مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة [١٥٥] . وتنكير بِشَيْءٍ هُنَا لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّحْقِيرِ، خِلَافًا لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ إِلَى أَنْوَاعِ الصَّيْدِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ. فَقَدْ كَانُوا يُمْسِكُونَ الْفِرَاخَ بِأَيْدِيهِمْ وَمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى الْإِمْسَاكِ بِالْأَيْدِي مِنْ شِبَاكٍ وَحِبَالَاتٍ وَجَوَارِحٍ، لِأَنَّ جَمِيع ذَلِك يؤول إِلَى الْإِمْسَاكِ بِالْيَدِ. وَكَانُوا يَعْدُونَ وَرَاءَ الْكِبَارِ بِالْخَيْلِ وَالرِّمَاحِ كَمَا يَفْعَلُونَ بِالْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ: رَأَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ وَأَخَذَ رُمْحَهُ وَشَدَّ وَرَاءَ الْحِمَارِ فَأَدْرَكَهُ فَعَقَرَهُ بِرُمْحِهِ وَأَتَى بِهِ.. إِلَخْ. وَرُبَّمَا كَانُوا يَصِيدُونَ بِرَمْيِ النِّبَالِ عَنْ قِسِيِّهِمْ، كَمَا فِي حَدِيثِ «الْمُوَطَّأِ» «عَنْ زَيْدٍ الْبَهْزِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ مَكَّةَ فَإِذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِيهِ سَهْمٌ» الْحَدِيثَ. فَقَدْ كَانَ بعض الصائدين يختبىء فِي قُتْرَةٍ وَيَمْسِكُ قَوْسَهَ فَإِذَا مَرَّ بِهِ الصَّيْدُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَخَصَّ الرِّمَاحَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مَا يُجْرَحُ بِهِ الصَّيْدُ.

وَقَدْ يُقَالُ: حَذَفَ مَا هُوَ بِغَيْرِ الْأَيْدِي وَبِغَيْرِ الرِّمَاحِ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالطَّرَفَيْنِ عَنِ الْأَوْسَاطِ.

وَجُمْلَةُ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ صِفَةٌ لِلصَّيْدِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا اسْتِقْصَاءُ أَنْوَاعِ الصَّيْدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ التَّحْذِيرَ مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ بِجَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ دُونَ الْقَبْضِ بِالْيَدِ أَوِ الْتِقَاطِ الْبَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ.