للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْجَزَاءُ الْعِوَضُ عَنْ عَمَلٍ، فَسَمَّى اللَّهُ ذَلِكَ جَزَاءً، لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ وَعُقُوبَةٌ إِلَّا أَنَّهُ شُرِعَ عَلَى صِفَةِ الْكَفَّارَاتِ مِثْلَ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ. وَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ الْغُرْمَ إِذْ لَيْسَ الصَّيْدُ بِمُنْتَفَعٍ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَغْرَمَ قَاتِلُهُ لِيَجْبُرَ مَا أَفَاتَهُ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا الصَّيْدُ مِلْكُ اللَّهِ تَعَالَى أَبَاحَهُ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يُبِحْهُ لِلنَّاسِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَمَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي جَزَاءً. وَجَعَلَهُ جَزَاءً يَنْتَفِعُ بِهِ ضِعَافُ عَبِيدِهِ.

وَقَدْ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ مَقْصِدَ التَّشْرِيعِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْعُقُوبَةُ قَوْلُهُ عَقِبَهُ لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ.

وَإِنَّمَا سُمِّيَ جَزَاءً وَلَمْ يُسَمَّ بِكَفَّارَةٍ لِأَنَّهُ رُوعِيَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمِثْلِ الْعَمَلِ فَسُمِّيَ جَزَاءً، وَالْجَزَاءُ مَأْخُوذٌ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُوَافَقَةُ قَالَ تَعَالَى: جَزاءً وِفاقاً [النبأ: ٢٦] .

وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِثْلُ مَا قَتَلَ الصَّائِدُ، وَذَلِكَ الْمِثْلُ مِنَ النَّعَمِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ إِمَّا مِنَ الدَّوَابِّ وَإِمَّا مِنَ الطَّيْرِ، وَأَكْثَرُ صَيْدِ الْعَرَبِ مِنَ الدَّوَابِّ، وَهِيَ الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ وَالْأَرْوَى وَالظِّبَاءُ وَمِنْ ذَوَاتِ الْجَنَاحِ النَّعَامُ وَالْأَوِزُّ، وَأَمَّا الطَّيْرُ الَّذِي يَطِيرُ فِي الْجَوِّ فَنَادِرٌ صَيْدُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُصَادُ إِلَّا بِالْمِعْرَاضِ، وَقَلَّمَا أَصَابَهُ الْمِعْرَاضُ سِوَى الْحَمَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهَا، فَمُمَاثَلَةُ الدَّوَابِّ لِلْأَنْعَامِ هَيِّنَةٌ. وَأَمَّا مُمَاثَلَةُ الطَّيْرِ لِلْأَنْعَامِ فَهِيَ مُقَارَبَةٌ وَلَيْسَتْ مُمَاثَلَةً فَالنَّعَامَةُ تُقَارِبُ الْبَقَرَةَ أَوِ الْبَدَنَةَ، وَالْأَوِزُّ يُقَارِبُ السَّخْلَةَ، وَهَكَذَا. وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَالْعُصْفُورِ فِيهِ الْقِيمَةُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: الْمِثْلُ الْقِيمَةُ فِي جَمِيعِ مَا يُصَابُ مِنَ الصَّيْدِ. وَالْقِيمَةُ عِنْدَ مَالِكٍ طَعَامٌ.

وَقَالَ أَبُو حنيفَة: دَارهم. فَإِذَا كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى الْقِيمَةِ فَالْقِيمَةُ عِنْدَ مَالِكٍ طَعَامٌ يُتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا، وَلِكَسْرِ الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَشْتَرِي بِالْقِيمَةِ هَدْيًا إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى طَعَامًا، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْجَزَاءَ هَلْ يَكُونُ أقلّ ممّا يجزىء فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا.

فَقَالَ مَالك: لَا يجزىء أَقَلُّ مِنْ ثَنِيِّ الْغَنَمِ أَوِ الْمَعِزِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ. فَمَا لَا يجزىء أَنْ يَكُونَ هَدْيًا مِنَ الْأَنْعَامِ لَا يَكُونُ جَزَاءً، فَمَنْ أَصَابَ مِنَ