للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ مَالِ التَّرِكَةِ الَّذِي كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ، أَيِ الْوَرَثَةِ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ مجرور نعت (للَّذين اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ) .

وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ اسْتَحَقَّ- بِصِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ- فَيَكُونُ الْأَوْلَيانِ هُوَ فَاعِلُ اسْتَحَقَّ، وَقَوْلُهُ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقُومانِ مَقامَهُما.

وَمَعْنَى لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما أَنَّهُمَا أَوْلَى بِأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا مِنَ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا. وَمَعْنَى أَحَقُّ أَنَّهَا الْحَقُّ، فَصِيغَةُ التَّفْضِيلِ مَسْلُوبَةُ الْمُفَاضَلَةِ.

وَقَوْلُهُ وَمَا اعْتَدَيْنا تَوْكِيدٌ لِلْأَحَقِّيَّةِ، لِأَنَّ الْأَحَقِّيَّةَ رَاجِعَةٌ إِلَى نَفْعِهِمَا بِإِثْبَاتِ مَا كَتَمَهُ الشَّاهِدَانِ الْأَجْنَبِيَّانِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ لَكَانَتْ بَاطِلًا وَاعْتِدَاءً مِنْهُمَا عَلَى مَالِ مُبَلِّغِي الْوَصِيَّةِ. وَالْمَعْنَى: وَمَا اعْتَدَيْنَا عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي اتِّهَامِهِمَا بِإِخْفَاءِ بَعْضِ التَّرِكَةِ.

وَقَوْلُهُ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أَيْ لَوِ اعْتَدَيْنَا لَكُنَّا ظَالِمِينَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِشْعَارُ بِأَنَّهُمَا مُتَذَكِّرَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الِاعْتِدَاءِ وَالظُّلْمِ، وَفِي ذَلِكَ زِيَادَةُ وَازِعٍ.

وَقَدْ تَضَمَّنَ الْقَسَمُ عَلَى صِدْقِ خَبَرِهِمَا يَمِينًا عَلَى إِثْبَاتِ حَقِّهِمَا فَهِيَ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الْحَقُّ مَعَ الشَّاهِدِ الْعُرْفِيِّ، وَهُوَ شَاهِدُ التُّهْمَةِ الَّتِي عُثِرَ عَلَيْهَا فِي الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُبَلِّغَانِ الْوَصِيَّةَ.

وَالْكَلَام فِي «إِذن» هُنَا مِثْلُ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ.

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِنِ اخْتَلَّتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيِ الْوَصِيَّةِ انْتُقِلَ إِلَى يَمِينِ الْمُوصَى لَهُ سَوَاءً كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَاحِدًا أَمْ مُتَعَدِّدًا. وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْآيَةُ بِصِيغَةِ الِاثْنَيْنِ مُرَاعَاةً لِلْقَضِيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا، وَهِيَ قَضِيَّةُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَإِنَّ وَرَثَةَ صَاحِبِ التَّرِكَةِ كَانَا اثْنَيْنِ هُمَا:

عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ، وَكِلَاهُمَا مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَهُمَا مَوْلَيَا بُدَيْلِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ السَّهْمِيِّ صَاحِبِ الْجَامِ. فَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَذْكُرُ أَنَّهُمَا مَوْلَيَا