للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِيرَادُ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ بَعْدَ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ الْخَبَرِ وَتَأْكِيدِهِ.

وَعَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ تَأْوِيلُ قَوْلِ الرُّسُلِ لَا عِلْمَ لَنا بِأَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَا كَانَ من آخر أَمر الْأُمَمِ بَعْدَ مَوْتِ رُسُلِهِمْ مِنْ دَوَامٍ عَلَى إِقَامَةِ الشَّرَائِعِ أَوِ التَّفْرِيطِ فِيهَا وَتَبْدِيلِهَا فَيَكُونُ قَوْلُ الرُّسُلِ لَا عِلْمَ لَنا مَحْمُولًا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَيَكُونُ مَحْمَلُ مَاذَا عَلَى قَوْلِهِ: مَاذَا أُجِبْتُمْ هُوَ مَا أجِيبُوا بِهِ مِنْ تَصْدِيقٍ وَتَكْذِيبٍ وَمِنْ دَوَامِ الْمُصَدِّقِينَ عَلَى تصديقهم أَو نقض ذَلِكَ، وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا جَاءَ بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقَوْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ الْآيَةَ- فَإِنَّ الْمُحَاوَرَةَ مَعَ عِيسَى بَعْضٌ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الرُّسُلِ. وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ.

وَعَبَّرَ فِي جَوَابِ الرُّسُلِ بِ قالُوا الْمُفِيدُ لِلْمُضِيِّ مَعَ أَنَّ الْجَوَابَ لَمْ يَقَعْ، لِلدَّلَالَةِ على تَحْقِيق أنّه سَيَقَعَ حَتَّى صَارَ الْمُسْتَقْبَلُ مِنْ قُوَّةِ التَّحَقُّقِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاضِي فِي التَّحَقُّقِ. عَلَى

أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي تُحْكَى بِهِ الْمُحَاوَرَاتُ لَا يُلْتَزَمُ فِيهِ مُرَاعَاةُ صِيغَتِهِ لِزَمَانِ وُقُوعِهِ لِأَنَّ زَمَانَ الْوُقُوعِ يَكُونُ قَدْ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْغُيُوبِ- بِضَمِّ الْغَيْنِ-. وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ- بِكَسْرِ الْغَيْنِ- وَهِيَ لُغَةٌ لِدَفْعِ ثِقَلِ الِانْتِقَالِ مِنَ الضَّمَّةِ إِلَى الْبَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي بُيُوتٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ [١٥] .

وَفَصَلَ قالُوا جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣٠] .

وَقَوْلُهُ: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ظَرْفٌ، هُوَ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، فَإِنَّ يَوْمَ الْجَمْعِ مُشْتَمِلٌ عَلَى زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ لِعِيسَى، وَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ مَا يُقَالُ لِعِيسَى يَوْمَئِذٍ هُوَ تَقْرِيعُ الْيَهُودِ. وَالنَّصَارَى الَّذِينَ ضَلُّوا فِي شَأْنِ عِيسَى بَيْنَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ بُغْضٍ وَإِفْرَاطِ حُبٍّ.

فَقَوْلُهُ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ- إِلَى قَوْلِهِ- لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [الْمَائِدَة: ١١٥] اسْتِئْنَاسٌ