للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِذَلِكَ قَالَ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي، فَجُمْلَةُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي بَيَانٌ لِجُمْلَةِ الشَّرْطِ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ.

وَالنَّفْسُ تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْلِ وَعَلَى مَا بِهِ الْإِنْسَانُ، إِنْسَانٌ وَهِيَ الرُّوحُ الْإِنْسَانِيُّ، وَتُطْلَقُ عَلَى الذَّاتِ. وَالْمَعْنَى هُنَا: تَعْلَمُ مَا أَعْتَقِدُهُ، أَيْ تَعْلَمُ مَا أَعْلَمُهُ لِأَنَّ النَّفْسَ مَقَرُّ الْعُلُومِ فِي الْمُتَعَارَفِ.

وَقَوْلُهُ: وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ اعْتِرَاضٌ نَشَأَ عَنْ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي لِقَصْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ وَفِي كُلِّ حَالٍ. وَذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي التَّنْزِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أثر فِي التبرّي، وَالتَّنَصُّلِ، فَلِذَلِكَ تَكُونُ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً.

وَإِضَافَةُ النَّفْسِ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ هَنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، أَيْ وَلَا أَعْلَمُ مَا تَعْلَمُهُ، أَيْ ممّا انْفَرَدت بِعَمَلِهِ. وَقَدْ حَسَّنَهُ هُنَا الْمُشَاكَلَةُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» .

وَفِي جَوَازِ إِطْلَاقِ النَّفْسِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ مُشَاكَلَةٍ خِلَافٌ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السَّعْدُ وَالسَّيِّدُ وَعَبْدُ الْحَكِيمِ فِي شُرُوح «الْمِفْتَاح» و «التخليص» .

وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ نَحْوَ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمرَان: ٢٨] مِنْ قَبِيلِ الْمُتَشَابِهِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ مِثْلَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي «التَّفْسِيرِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٤] ، وَيَشْهَدُ لَهُ تَكَرُّرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَام النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا

فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي.

وَقَوْلُهُ: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلِذَلِكَ جِيءَ

بِ (إِنَّ) الْمُفِيدَةِ التَّعْلِيلِ. وَقَدْ جُمِعَ فِيهِ أَرْبَعُ مُؤَكِّدَاتٍ وَطَرِيقَةُ حَصْرٍ، فَضَمِيرُ الْفَصْلِ أَفَادَ الْحَصْرَ، وَإِنَّ وَصِيغَةُ الْحَصْرِ، وَجَمْعُ الْغُيُوبِ، وَأَدَاةُ الِاسْتِغْرَابِ.

وَبَعْدَ أَنْ تَبَرَّأَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ أُمَّتَهُ بِمَا اخْتَلَقُوهُ انْتَقَلَ فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِعَكْسِ ذَلِكَ حَسْبَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ، فَقَوْلُهُ: مَا قُلْتُ لَهُمْ ارْتِقَاءٌ فِي الْجَوَابِ، فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ إِلَخْ ... صَرَّحَ هُنَا بِمَا قَالَهُ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ مَقَالِهِ. وَالْمَعْنَى: مَا تَجَاوَزْتُ