للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَهْلُ الْكِتَابِ، كَقَوْلِهِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الْأَحْقَاف: ١٠] . وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، أَيِ الَّذِينَ كَتَمُوا الشَّهَادَةَ، فَيَكُونُ الَّذِينَ خَسِرُوا بَدَلًا مِنَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ.

[٢١]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٢١]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ [الْأَنْعَام: ٢٠] . فَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١٤] . وَالْمُرَادُ بِافْتِرَائِهِمْ عَقِيدَةُ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِمَا فِيهَا مِنْ تَكَاذِيبَ، وَبِتَكْذِيبِهِمُ الْآيَاتِ تَكْذِيبُهُمُ الْقُرْآنَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ. وَقَدْ جَعَلَ الْآتِيَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ أَظْلَمَ النَّاسِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا.

وَجُمْلَةُ: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ تَذْيِيلٌ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، أَيْ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ لَا أَظْلَمَ مِنْهُمْ فَهُمْ غَيْرُ مُفْلِحِينَ، لِأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فَكَيْفَ بِمَنْ بَلَغَ ظُلْمُهُ النِّهَايَةَ، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعِلَّةِ عَنْ ذِكْرِ الْمَعْلُولِ.

وَمُوقِعُ (إِنَّ) فِي هَذَا الْمَقَامِ يُفِيدُ مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِ عَبْدِ الْقَاهِرِ. وَمَوْقِعُ ضَمِيرِ الشَّأْنِ مَعَهَا أَفَادَ الِاهْتِمَامَ بِهَذَا الْخَبَرِ اهْتِمَامَ تَحْقِيقٍ لِتَقَعَ الْجُمْلَةُ الْوَاقِعَةُ تَفْسِيرًا لَهُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ مَوْقِعَ الرُّسُوخِ.

وَالِافْتِرَاءُ الْكَذِبُ الْمُتَعَمَّدُ. وَقَوْلُهُ: كَذِباً مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لَهُ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الِافْتِرَاءِ.

وَالتَّأْكِيدُ يَحْصُلُ بِالْأَعَمِّ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ [١٠٣] ، وَقَدْ نَفَى فَلَاحَهُمْ فَعَمَّ كُلَّ فَلَاحٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّ الْفَلَاحَ الْمُعْتَدَّ بِهِ فِي نَظَرِ الدِّينِ فِي الدُّنْيَا هُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ، وَهُوَ سَبَبُ فلاح الْآخِرَة.

[٢٢- ٢٤]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : الْآيَات ٢٢ إِلَى ٢٤]

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)