للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٢] . وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُغْنِي عَنِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي تَحَيَّرَ فِيهَا الْمُفَسِّرُونَ وَهِيَ لَا تُلَائِمُ نَظْمَ الْآيَةِ، فَبَعْضُهَا يُسَاعِدُهُ صَدْرُهَا وَبَعْضُهَا يُسَاعِدُهُ عَجُزُهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُسَاعِدُهُ جَمِيعُهَا.

وَقَوْلُهُ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ارْتِقَاءٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ حَتَّى يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ فِي الْمُنَاظَرَةِ، أَيْ لَوْ أُجِيبَتْ أُمْنِيَّتُهُمْ وَرُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَعَادُوا لِلْأَمْرِ الَّذِي كَانَ النَّبِيءُ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، وَهُوَ التَّكْذِيبُ وَإِنْكَارُ الْبَعْثِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ نُفُوسَهُمُ الَّتِي كَذَّبَتْ فِيمَا مَضَى تَكْذِيبَ مُكَابَرَةٍ بَعْدَ إِتْيَانِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، هِيَ النُّفُوسُ الَّتِي أُرْجِعَتْ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْبَعْثِ فَالْعَقْلُ الْعَقْلُ وَالتَّفْكِيرُ التَّفْكِيرُ، وَإِنَّمَا تَمَنَّوْا مَا تَمَنَّوْا مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ فَتَوَهَّمُوا التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِهَذَا التَّمَنِّي فَلَوْ تَحَقَّقَ تَمَنِّيهِمْ وَرُدُّوا وَاسْتَرَاحُوا مِنْ ذَلِكَ الْهَوْلِ لَغَلَبَتْ أَهْوَاؤُهُمْ رُشْدَهُمْ فَنَسُوا مَا حَلَّ بِهِمْ وَرَجَعُوا إِلَى مَا أَلِفُوا مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْمُكَابَرَةِ.

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِرَ النَّاشِئَةَ عَنْ عَوَامِلِ الْحِسِّ دُونَ النَّظَرِ وَالدَّلِيلِ لَا قَرَارَ لَهَا فِي النَّفْسِ وَلَا تَسِيرُ عَلَى مُقْتَضَاهَا إِلَّا رَيْثَمَا يَدُومُ ذَلِكَ الْإِحْسَاسُ فَإِذَا زَالَ زَالَ أَثَرُهُ، فَالِانْفِعَالُ بِهِ يُشْبِهُ انْفِعَالَ الْعَجْمَاوَاتِ مِنَ الزَّجْرِ وَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِمَا. وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ حَتَّى يُعَاوِدَهُ مِثْلُهُ.

وَقَوْلُهُ: وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ. جِيءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، أَيْ أَنَّ الْكَذِبَ سَجِيَّةٌ لَهُمْ قَدْ تَطَبَّعُوا عَلَيْهَا مِنَ الدُّنْيَا فَلَا عَجَبَ أَنْ يَتَمَنَّوُا الرُّجُوعَ لِيُؤْمِنُوا فَلَوْ رَجَعُوا لَعَادُوا لَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَذِبَ سَجِيَّتُهُمْ. وَقَدْ تَضَمَّنَ تَمَنِّيهِمْ وَعْدًا،

فَلِذَلِكَ صَحَّ إِدْخَالُهُ فِي حُكْمِ كَذِبِهِمْ دُخُولَ الْخَاصِّ فِي الْعَامِّ، لِأَنَّ التَّذْيِيلَ يُؤْذِنُ بِشُمُولِ مَا ذُيِّلَ بِهِ وَزِيَادَةٌ. فَلَيْسَ وَصْفُهُمْ بِالْكَذِبِ بِعَائِدٍ إِلَى التَّمَنِّي بَلْ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْوَعْدِ بِالْإِيمَانِ وَعَدَمِ التَّكْذِيبِ بآيَات الله.

[٢٩]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٢٩]

وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الْأَنْعَام: ٢٨] فَيَكُونَ جَوَابَ لَوْ، أَيْ