للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ، أَفَلا تَعْقِلُونَ- بِتَاءِ الْخِطَابِ- عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ-، فَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَائِدٌ

لِمَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ قَبْلَهُ، وَالِاسْتِفْهَامُ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ.

وَفِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ تأييس للْمُشْرِكين.

[٣٣]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٣٣]

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ قُصِدَتْ بِهِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرُهُ بِالصَّبْرِ، وَوَعْدُهُ بِالنَّصْرِ، وَتَأْيِيسُهُ مِنْ إِيمَانِ الْمُتَغَالِينَ فِي الْكُفْرِ، وَوَعْدُهُ بِإِيمَانِ فِرَقٍ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى - إِلَى قَوْلِهِ- يَسْمَعُونَ. وَقَدْ تَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِهَذَا الْغَرَضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ فِي إِبْطَالِ شِرْكِهِمْ وَإِبْطَالِ إِنْكَارِهِمْ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْفَرَاغِ مِنْ وَعِيدِهِمْ وَفَضِيحَةِ مُكَابَرَتِهِمِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ [الْأَنْعَام: ٤] إِلَى هُنَا.

وَقد تَحْقِيقٌ لِلْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ، فَهُوَ فِي تَحْقِيقِ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ (إِنَّ) فِي تَحْقِيقِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ. فَحَرْفُ قَدْ مُخْتَصٌّ بِالدُّخُولِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَصَرِّفَةِ الْخَبَرِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ الْمُجَرَّدَةِ مَنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ وَحَرْفِ تَنْفِيسٍ، وَمَعْنَى التَّحْقِيقِ مُلَازِمٌ لَهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولُهَا مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا، وَلَا يَخْتَلِفُ مَعْنَى قَدْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلَيْنِ. وَقَدْ شَاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ قَدْ إِذَا دَخَلَ عَلَى الْمُضَارِعِ أَفَادَ تَقْلِيلَ حُصُولِ الْفِعْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، وَمِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلَامَ سِيبَوَيْهِ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّقْلِيلِ لَكِنْ بِالْقَرِينَةِ وَلَيْسَتْ بِدَلَالَةٍ أَصْلِيَّةٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدِي.

وَلِذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ قَدْ عَلَى فِعْلِ الْمُضِيِّ وَدُخُولِهِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فِي إِفَادَةِ تَحْقِيقِ الْحُصُولِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النُّورِ [٦٤] . فَالتَّحْقِيقُ يُعْتَبَرُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي إِنْ