للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ بِمَا اتَّصَلَ بِهَا. عَطْفُ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اعْتِرَاضًا تَذْيِيلِيًّا فَتَكُونَ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً. وَأَيًّا مَا كَانَ مَوْقِعُهَا فَفِي الْمُرَادِ مِنْهَا اعْتِبَارَاتٌ ثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ تَلْقِينًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِ رُسُلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُمْ وَإِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ النَّصْرَ نِعْمَةٌ بِإِزَالَةِ فَسَادٍ كَانَ فِي الْأَرْضِ، وَلِأَنَّ فِي تَذْكِيرِ اللَّهِ النَّاسَ بِهِ إِيمَاءً إِلَى تَرَقُّبِ الْأُسْوَةِ بِمَا حَصَلَ لِمَنْ قَبْلَهُمْ أَنْ يَتَرَقَّبُوا نَصْرَ اللَّهِ كَمَا نَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَيَكُونُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مَصْدَرًا بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ، عُدِلَ عَنْ نَصْبِهِ وَتَنْكِيرِهِ إِلَى رَفْعِهِ وَتَعْرِيفِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ [٢] .

ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْحَمْدِ أَنْ يَكُونَ عَلَى نِعْمَةٍ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا.

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَقْتَضِي حَمْدَهُ.

ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ إِنْشَاءُ حَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ قِبَلِ جَلَالِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيبِ مِنْ مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ وَتَدْرِيجِهِمْ فِي دَرَجَاتِ الْإِمْهَالِ إِلَى أَنْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِنْشَاءُ اللَّهِ تَعَالَى ثَنَاءً عَلَى نَفْسِهِ، تَعْرِيضًا بِالِامْتِنَانِ عَلَى الرَّسُولِ وَالْمُسْلِمِينَ.

وَاللَّامُ فِي الْحَمْدُ لِلْجِنْسِ، أَيْ وَجِنْسُ الْحَمْدِ كُلُّهُ الَّذِي مِنْهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ إِهْلَاكِ الظَّالِمِينَ.

وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَحِقُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ عِنْدَ هَلَاكِ الظَّلَمَةِ، لِأَنَّ هَلَاكَهُمْ صَلَاحٌ لِلنَّاسِ، وَالصَّلَاحُ أَعْظَمُ النِّعَمِ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ. وَهَذَا الْحَمْدُ شُكْرٌ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ نِعْمَةٍ.

وَإِنَّمَا كَانَ هَلَاكُهُمْ صَلَاحًا لِأَنَّ الظُّلْمَ تَغْيِيرٌ لِلْحُقُوقِ وَإِبْطَالٌ لِلْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الْحَقُّ وَالصَّلَاحُ جَاءَ الدَّمَارُ وَالْفَوْضَى وَافْتُتِنَ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِمْ فَإِذَا هَلَكَ الظَّالِمُونَ عَادَ الْعَدْلُ، وَهُوَ مِيزَانُ قِوَامِ الْعَالَمِ.