للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاللَّعِبُ وَاللَّهْوُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٣٢] .

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا فَرِيقٌ عُرِفُوا بِحَالِ هَذِهِ الصِّلَةِ وَاخْتُصَّتْ بِهِمْ، فَهُمْ غَيْرُ الْمُرَادِ مِنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الْآيَاتِ بَلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي الْآيَاتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُشْرِكِينَ كُلَّهُمْ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الدِّينِ بِالْمِلَّةِ وَالنِّحْلَةِ فَهُمْ أَعَمُّ مِنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فَبَيْنَهُمُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ. وَهَذَا يُنَاسِبُ تَفْسِيرَ ذَرِ بِمَعْنَى عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِمْ وَبِدِينِهِمْ لِقَصْدِ عَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ إِيمَانِهِمْ أَوْ لِزِيَادَةِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ، أَيْ وَذَكِّرْهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمْ فَرِيقًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سُفَهَاءَ اتَّخَذُوا دَأْبَهُمُ اللَّعِبَ وَاللَّهْوَ، بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الدِّينِ بِمَعْنَى الْعَادَةِ فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ.

وَغَرَّتْهُمُ أَيْ خَدَعَتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَظَنُّوا أَنَّهَا لَا حَيَاةَ بَعْدَهَا وَأَنَّ نَعِيمَهَا دَائِمٌ لَهُمْ بَطَرًا مِنْهُمْ. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْغُرُورِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٩٦] .

وَذِكْرُ الْحَيَاةِ هُنَا لَهُ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ وَهُوَ أَنَّ هَمَّهُمْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ الْحَيَاةُ فِيهَا لَا مَا يتكسب فِيهَا مِنَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا سَعَادَةُ الْحَيَاةِ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ غَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَأَوْهَمَتْهُمْ أَنْ لَا حَيَاةَ بَعْدَهَا وَقَالُوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [الْأَنْعَام:

٢٩] .

وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي وَذَكِّرْ بِهِ عَائِد إِلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ التَّذْكِيرَ هُوَ التَّذْكِيرُ بِاللَّهِ وَبِالْبَعْثِ وَبِالنَّعِيمِ وَالْعَذَابِ. وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْقُرْآنِ فَيَعْلَمُ السَّامِعُ أَنَّ ضَمِيرَ الْغَيْبَةِ يَرْجِعُ إِلَى مَا فِي ذِهْنِ الْمُخَاطَبِ مِنَ الْمَقَامِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: ٤٥] . وَحَذَفَ مَفْعُولَ ذَكِّرْ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً أَيْ وَذَكِّرْهُمْ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِ ذَكِّرْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ،