للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا لُوطٌ فَهُوَ ابْنُ هَارَانَ بْنِ تَارَحَ، فَهُوَ ابْنُ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. وُلِدَ فِي (أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ) . وَمَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ تَارَحَ، فَاتَّخَذَ تَارَحُ لُوطًا فِي كَفَالَتِهِ. وَلَمَّا مَاتَ تَارَحُ كَانَ لُوطٌ مَعَ إِبْرَاهِيمَ سَاكِنَيْنِ فِي أَرْضِ حَارَانَ (حُورَانَ) بَعْدَ أَنْ خَرَجَ تَارَحُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ قَاصِدَيْنِ أَرْضَ كَنْعَانَ. وَهَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ مَعَ لُوطٍ إِلَى مِصْرَ لِقَحْطٍ أَصَابَ بِلَادَ كَنْعَانَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى بِلَادِ كَنْعَانَ، وَافْتَرَقَ إِبْرَاهِيمُ وَلُوطٌ بِسَبَبِ خِصَامٍ وَقَعَ بَيْنَ رُعَاتِهِمَا، فَارْتَحَلَ لُوطٌ إِلَى (سَدُومَ) ، وَهِيَ مِنْ شَرْقِ الْأُرْدُنِّ إِلَى أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا حِينَ قَدَّرَ اللَّهُ خَسْفَهَا عِقَابًا لِأَهْلِهَا فَخَرَجَ إِلَى (صَوْغَرَ) مَعَ ابْنَتِهِ وَنَسْلِهِ هُنَاكَ، وَهُمُ (الْمُؤَابِيُّونَ) وَ (بَنُو عَمُونَ) .

وَقَوْلُهُ: وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ كُلُّ أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ مِنْ إِسْحَاقَ إِلَى هُنَا. وَ (كُلٌّ) يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ. وَحُكْمُ الِاسْتِغْرَاقِ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ لَا لِلْمَجْمُوعِ.

وَالْمُرَادُ تَفْضِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ عَدَا مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، فَاللَّامُ فِي الْعالَمِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ، فَقَدْ كَانَ لُوطٌ فِي عَصْرِ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَكَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا مَنْ كَانُوا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْرَفُ فَضْلُ أَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ. وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ وَكُلٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُفَضَّلُونَ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ الْكَلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَنَّ أَيَّ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ كَلَامٌ فِي غَرَضٍ آخَرَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ اهـ. وَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ مُقْتَضَى حُكْمِ الِاسْتِغْرَاقِ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ.

وَتَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ. وَهِيَ ثُبُوتُ نُبُوءَةِ الَّذِينَ جَرَى ذِكْرُ أَسْمَائِهِمْ فِيهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامٍ فِي الْإِيمَانِ وَحَقِّ النُّبُوءَةِ. وَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهَا الْمُفَسِّرُونَ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعَرُّضُ لَهَا لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إِلَى مَسَائِلَ تَهُمُّ طَالِبَ

الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَعْرِفَتُهَا،