للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَيْنِ الْمَكَانَيْنِ، أَيْ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي السَّيْرِ فِي الظُّلُمَاتِ. وَمَنْ يَنْفِي الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى (فِي) يَجْعَلُهَا إِضَافَةً عَلَى مَعْنَى اللَّامِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا فِي «كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ» (١) . وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، إِمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَابَهَةِ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ «الْمِفْتَاحِ» فِي مَبْحَثِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ إِذْ جَعَلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ [هود: ٤٤] إِضَافَةَ الْمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ تَشْبِيهًا لِاتِّصَالِ الْمَاءِ بِالْأَرْضِ بِاتِّصَالِ الْملك بالمالك اهـ. فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ الْإِضَافَةَ الَّتِي هِيَ عَلَى مَعْنَى لَامِ الْمِلْكِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ وَإِمَّا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ على رَأْي التفتازانيّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِذْ قَالَ فِي «كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ» «حَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ اللَّامِيَّةِ الِاخْتِصَاصُ الْكَامِلُ، فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ تَكُونُ مَجَازًا حكميا» .

ولعلّ التفتازانيّ يَرَى الِاخْتِلَافَ فِي الْمَجَازِ بِاخْتِلَافِ قُرْبِ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ مِنْ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَبُعْدِهَا مِنْهُ كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ،

يُؤْذِنُ بِالْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّهُ إِسْنَادُ الْحُكْمِ أَوْ مَعْنَاهُ إِلَى مَلَابِسٍ لِمَا هُوَ لَهُ.

وَجُمْلَةُ: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ مُسْتَأْنِفَةٌ لِلتَّسْجِيلِ وَالتَّبْلِيغِ وَقَطْعِ مَعْذِرَةِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.

وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ مُتَعَلِّقٌ بِ فَصَّلْنَا كَقَوْلِهِ:

وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعِذَارَى مَطِيَّتِي أَيْ فَصَّلْنَا لِأَجْلِ قَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

وَتَفْصِيلُ الْآيَاتِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ [٥٥] . وَجَعَلَ التَّفْصِيلَ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ تَعْرِيضًا بِمَنْ لَمْ يَنْتَفِعُوا مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ.


(١) فِي قَول الشَّاعِر الَّذِي لم يعرف اسْمه:
إِذا كَوْكَب الخرقاء لَاحَ بسحرة ... سُهَيْل أذاعت غزلها فِي القرائب